22أغسطس

سأمضي جريحا

كتبت الصديقة مليكة عبدالحميد (لا نكذب على بعض، مافيه أحد يبغى يكون صديق لمكتئب)..

حينما تواصلت معها وسألتها عن فحوى التغريدة قالت لا ألوم أحد، وأنا متفهمة؛ لأن كل واحد فيه اللي مكفيه، لماذا يتحملني أنا فوق همومه؟ لكن سألتها: وكيف ستعبرين في هذه الحياة لوحدك؟ قالت: (سأمضي

وحيدة كما كنت، قلة من يحالفهم الحظ لكي يجدوا من يساندهم في هذه الحياة العصيبة)..

إنها حياة صعبة ومريرة تلك التي نعبر فيها لوحدنا..

كيف نصل إلى هذا السلام الداخلي الذي وصلت إليه الأستاذة مليكة في تقدير ذاتها وحالتها ومعرفتها بأنها سوف تمضي في الحياة وحيدة كما كانت..

لعل من محاسن الجائحة أنها نخلت من حولنا، لتجعلنا نرتب قائمة الأصدقاء والمقربين من جديد..

لقد علمتنا كورونا أن العائلة هي رقم واحد في حياة الفرد، والكل يأتي بعد العائلة، لم يثبت في قائمة المقربين إلا القليل..

كانت ستة أشهر كافية لإلغاء كثير من العلاقات الضبابية، والتي اكنشف وهنها وضعفها في فترة الحجر المنزلي..

علاقات لا تصل إلى حد أن تكون مسمومة؛ ولكنها علاقات فاترة، لا تجلب مصلحة، ولا تدفع مضرة..

يستطيع المرء أن يصمد لوحده، ولكنه صمودٌ مؤذي على جميع الأصعدة، نعم الأيام ستمضي لكنها ستأخذ الأطيب من روحنا بمضيها..

من الدروس المهمة التي خرجنا منها بعد الحجر، هي ألا تعاتب أحدا كثيرا؛ فالعتب مفاده الرجاء، والحقيقة هي أنك لا تؤمل في الناس قدر المستطاع..

يقولون: الإنسان كثير بإخوانه، ولكن الإخوان في النائبات (قليل) بل هم أقل من القليل..

إن ما لفتني عند مليكة عدم قيامها بدور (المظلومية) وإلقاء التهم جزافا على الحياة أو على الناس، إنها أدركت أنها وحيدة ويجب أن تمضي لوحدها مع صعوبة الأمر بالطبع..

هذا التوازن النفسي الذي يطمح إليه كل إنسان..

سيعيش المرء بسلام حينما لا ينتظر شيئا من البشر..

من الجميل أن يكون هناك من يعاونك لتبحرا معا في المحيط؛ ولكن إن لم تجد فعليك الإبحار بمفردك؛ لأن الجلوس على الشاطئ وانتظار (العضيد) خيار غير مطروح في عالم المثابرين..

الوقت الذي ستمضيه في الانتظار، أو في التسخط من الناس، وعدم وقوفهم معك، كان بالإمكان أن تتقدم فيه خطوات للأمام في حياتك، وفي أقل الحالات إن لم تتقدم للأمام فلا تتراجع للخلف..

الثبات في المكان في ظل هذه الظروف المرهقة نفسيا، يعد مكسبا غاليا..

من سار على الدرب (وحيدا) سيصل، ولكن سيصل وهو (جريح)..

تم نشر هذه المقالة في صحيفة ميزان الزمان:
سأمضي جريحا

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *