بعض الأغرار الذين لم يتجاوزوا الشبر الأول من
العلم يعز عليهم تكسير أصنامهم الثقافية التي نشأوا على تقديسها تقديسا هو أشبه بالعبادة..
فمثلا محمود درويش صاحب الشخصية الجدلية والذي لم يهدأ الجدال عليه حتى بعد مماته..
العاشقون الوامقون تغاضوا عن حبيبته الإسرائلية، وقالوا أن الحب أعمى، ثم وقعوا في حيص بيص بعد أن صرّح سليم بركات أن لدرويش ابنه من امرأة متزوجة، وهؤلاء الأغرار هم نفسهم لم يستوعبوا بعد أن المتنبي سارق، سواء سرق بيتا واحدا أو كل أبياته، فما زالوا يدافعون بضراوة عن أصنامهم..
وفي كل قطر من الأقطار تجد هناك صنما لا يُمس، فأحمد شوقي في مصر له مريدين متعصبين لدرجة أن بعضهم يفضله على المتنبي!!! (كما فعل د.عباس حسن في كتابه المتنبي وشوقي)..
فهؤلاء الأغرار للأسف أنهم فئة كبيرة من القراء الجدد فهم أحزاب، وكل حزب بما لديهم فرحون..
ثم هم بعد ذلك يحاولون بشكل خفي تشكيل الذوق العام بفرض بعض الأسماء وبعض الكتب، ولا شك أن أغلب كتبهم المفروضة هي “روايات“..
ليست الأزمة في جنس الرواية؛ بل في ماهية هذه الروايات..
إنها “وصاية” على هيئة مراجعة للكتاب..
إنهم يعشقون اكتشاف روائي اسكندنافي نال جائزة محلية صغيرة على اكتشاف أشعار الأندلس المجهولة…
تدور ألسنتهم على ماركيز وهمنغواي وبيسوا؛ لكنهم لا يحبون ابن قتيبة، والقالي والجاحظ أو حتى لا يعرفونهم أيضا..
يعرفون عدد طبعات مدام بوفاري؛ لكن لا يعرفون عدد مجلدات الأغاني..
جيل قرائي “ضباني” نسبة إلى الضب، فهم يتبعون جحور بعضهم، ويتتبعون آخر الروايات المترجمة وكأنها فتحا من الفتوح..
ثم السؤال الجوهريء: ما الذي أنتجه هذا الجيل الضباني الروائي القارئ؟
لا شيء يذكر سوى أطنان من الصور بجانب معشوقتهم السوداء (القهوة)..
ثم الطامة الكبرى والمصيبة العظمى التحول من مربع القارئ إلى مربع الكاتب!!!
بسبب بعض الزركشات اللغوية من عدة روايات جيدة يعتقد هذا المسيكين أنه قادر على الكتابة، أنا أعلم أن حق الكتابة مكفول للجميع، لكن انظر إلى نتاجهم، نتاج معجون بطينة الاستعجال، تفوح منه رائحة الركاكة وترجمات الأفلام، فعباراتهم تدور حول (ارقد بسلام)، و(ليرحمك الذي في السماء)..
لا يسرقون الجمل، بل يسرقون الفأرة وإنائها..حتى سرقتهم مخذولة..
جيل لا يعرف حتى كيف يسرق من الكبار، بل يسرقون من أوضع الكتب، وأوضع العبارات..
وسأقول كما يقولون: ارقد بسلام أيها الجيل الضباني.
تم نشره في مجلة فرقد في العدد التاسع والخمسين: