أول كتاب لي مع هذا الأستاذ الفاضل والأديب البارع والمترجم الفذ،
ولم أكن أعرفه قبل هذا الكتاب قصورا مني، وجهلا بقيمة هذا الكنز الذي هو بحق شاهد على العصر، وهو الذي عاصر أساطين الأدباء في الخمسينات وما بعدها كالعقاد ونجيب محفوظ وزكي مبارك وأحمد أمين
وإبراهيم ناجي وغيرهم من نجوم تلك المرحلة.
كتب في المقدمة أن هذه فصول اختارها خبط عشواء من مقالات نشرت في مجلات وصفحات شتى، وهي تمثل تجاربه وآرائه التي ساقها متذرعا قدر المستطاع بالأمانة الأديبة.
ولد كاتبنا عام 1923م في مصر، وهو ما يزال حيا يرزق إلى الآن، ولقد اتصلت على رقمه الذي وضعه في كتابه ولكن يبدو أن الرقم قد تغير.
ومما أعجبني في الكتاب الصدق الصريح الذي جعله يذكر كل التفاصيل ولو كانت مُرة مثل قوله:
(كان لابد بعد انتهاء هذا التحكيم من أن أغير اتجاهي، فعملت في إدارات العلاقات العامة والقانونية في شركات البترول الأجنبية في مصر والخارج، وعملت في بعض هيئات السلك الدبلوماسي، وواصلت اهتماماتي الأدبية بالكتابة في المجلات التي تصدر في البلدان العربية كمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ومجلة (الأديب) اللبنانية، وغيرهما؛ ولأنني هاجرت بقلمي إلى الخارج فقد توهم بعض الأدباء أنني صرت من سقط المتاع)..
وهو في هذا الكتاب وفيٌّ شديد الوفاء للأعلام النابهين الذين طمرهم النسيان والتقمتهم عوادي الحدثان مثل: سلمى الكزبري ومحمد صبري السوربوني وعادل الغضبان وخليل صابات وغيرهم فإنه يذكرهم ويذكر فضلهم ونتفا من حياتهم وآثارهم وما حصل لمكتابتهم بعد موتهم ويذكرهم وهو في ذلك كثير التوجع والتفجع على إهمال الصحافة والنوادي الأدبية لهم، والجميل أيضا أنه يذكر الاسم ثم يذكر الميلاد والوفاة وأيضا
المكان الذي ولد فيه هذا العلم، وهذه خصلة تفيد القارئ الباحث في معرفة السابق من اللاحق لتكوين صورة واضحة عن تلك الحقبة.
ومما شدني أيضا ابتعاده عن النقد لكل من قذفه وسبّه وقلل من قدره وقيمته والترفع عن البذاءة في القول، وهو فوق ذلك شديد التواضع زهيد في الأضواء ولا أدل على ذلك من إجابته حينما سئل لم لا تدون سيرتك الذاتية؟ فأجاب: (إن حياتي الذاتية ليس فيها ما يستحق التسجيل لكوني عشت بعيدا عن صخب الحياة وضجيجها. أما سيرتي الأدبية فقد اندست في ثنايا أحاديثي عن الأعلام الذين عاصرتهم وهي منشورة في كتاب ذي جزئين وبه صفيت حسابي مع الدنيا الأدبية)، وهو يقصد كتابه (وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره) المنشور عام 2003م من دار القلم.
الكتاب من القطع الكبير يقع في 303 صفحة من منشورات مكتبة ومركز فهد بن محمد بن نايف الدبوس للتراث الأدبي– الكويت بالتعاون مع دار البشائر الإسلامية الصادر عام 2012م.
وقد تحدثت سابقا عن وديع فلسطين في مقالة لي بعنوان:
قضية الخلود