30ديسمبر

كلكم كذا

في أوقات الغضب سواء بين النوعين (الذكر والأنثى) أو بين نوعٍ واحد تظهر هذه الكلمة الغاضبة من فم أحد الأطراف ليصدر تعميما على جميع ذلك النوع: (كلكم كذا) أي أنكم جميعا على نفس الطباع والصفات والأخلاق، وهذه كارثة عظمى!
أنا أعلم أننا جميع نمشي على رجلين ونجوع ونأكل ونذهب للخلاء، فمن هذه الناحية نعم نحن كلنا كذلك، ولكن لسنا على مذهب واحد من ناحية الأهواء والأخلاق والتصرفات وإلا فما الميزة التنافسية لدى كل فردٍ منا؟
إن هذه النظرة الغاضبة القاصرة التي تجعل كل البشر في صعيدٍ واحد تجعل الحياة جهنم حمراء لصاحبها ولمن هم حوله..
فلو كنتُ أعيش مع شخصٍ يرى كل الناس بعينٍ واحدة لما كان لي ميزة أبدا، ولما شعرت أني اختلف عن البقية؛ لأن هناك حكما مسبقا على أفعالي وتصرفاتي وطريقة تعاملي، فلقد وضعني صاحب النظرة في قالبٍ محدد مصنوع من أوهامه الشكوكية.

لدى كل فرد صفاته المنفردة، وأخلاقه التي تخصّه، وهذا التعميم المشؤوم يوجد لدى معظم البشر ولكن منهم من يبديه ومن هم من يخفيه..
كثير من النساء يقولون أن الرجال خونة بالفطرة، وأنه لا يوجد رجلٌ شريف، وكثير من الرجال يرون أن النساء يميلون مع الأرياح وليس فيهن عفيفة قط؛ وهكذا من الأحكام الجائرة والتعاميم البائدة التي تقض نسيجنا الاجتماعي.
ومن الأمور المهمة جدا والتي لا ننتبه لها هي أقوال وأفعال الوالدين، سواء في الجلسات الخاصة أو المفتوحة، فمثلاً الولد يكون مع أبيه في الاستراحة، وهي تعج بالتنقص من المرأة والنيل منها والحط من قدرها بأسلوب فكاهي يختلط على الولد فلا يعرف أين الجد من الهزل، والحق من الخطأ، وقل كذلك مع الطفلة في جلسات النساء المغلقة وهي تسمع النساء وهن يسخطن على أوضاعهن والتشكي من أزواجهن والتندر على أفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، وهكذا مع تكرار مثل هذه الجلسات تُبنى لدى الناشئة أول لبنة من النظرة الدونية للنوع الآخر من جنسه..
وأيضا لقد ساعدت بعض كتب التراث على ترسيخ مثل هذه الأحكام ونشرها وتفشيها لدى العامة.
يجب أن نحاكم هذا التراث الذي يؤصل لهذه النظرة الدونية فهناك أبياتا شعرية مشهورة ذاع صيتها، وطار ذكرها وأصبحت صكوكا لا يمكن أن تنقض، ولا يقبل ردها وهي في الأخير وجهة نظر شخصية، ورأي فردي بحت لرجل عاش في قرونٍ غابرة.
وجهة نظرة تحكمها عدة اعتبارات نفسية واجتماعية وثقافية، ربما هذا الرأي كان مقبولا عنده وفي محيطه في ذلك الوقت لكن ليس من العقل اجتراره وقبوله بالكلية إلى الآن.
نحتاج وقفة صارمة حتى لا نتفوّه بكلمات جوفاء في أوقات غضبنا مثل: كلكم كذا.

نشرت هذه المقالة في العدد الرابع والأربعين من مجلة فرقد:
https://fargad.sa/?p=25001

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *