7ديسمبر

ارقد بسلام!

يجيء موت العظماء على حين غفلة من الناس حتى يكشف لنا سوء من خلّفهم بعده من صنيع تأبينهم..

وآخر من ودّعنا وودع دنيانا الفانية المترجم المتألق الذي فك مغاليق الأدب الأسباني (صالح علماني)..

خيّم الحزن على جماهير الأدب بشكل عام، وجماهير الترجمة بشكل خاص؛ لأنهم فقدوا حصنا حصينا، وركنا من أركان الترجمة..

ولقد قرأتُ كثيرا من التغريدات التي كُتبت في رحيل هذا المترجم الفذ فوجدتها باردة كبرودة أصحابها، فقائل يقول: ارقد بسلام، والآخر يقول: عليك الرأفة تهبط، والثالث يقول الصلوات على قدسيتك الطاهرة، تعابير جوفاء نُقلت من ترجمات الأفلام الرديئة لنجدها فيما بعد تأبينا لرحيل صالح علماني!

كلمات مسروقة وباهتة في نفس الوقت (إذا سرقت اسرق جمل) فإذا نويت أن تستعين من كلام غيرك في حاجتك فخذ كلاما فصيحا يعبّر عن مكنون حاجتك بأفضل بيان وأوضح حجة..

لقد بُلينا في هذا الزمن بأدعياء الثقافة الذين يصوّرون كتبهم مع معشوقتهم السوداء (القهوة) وكأنهم بذلك فكوا شيفرة مورس..

إن التأسيس الضعيف لمثل هؤلاء هو ما ينتج لنا تأبينا مقتبسا من ترجمات الأفلام..

لقد كنت أتحدث أنا والأستاذ فيصل غمري عن مثل هذا حينما التقيته قبل أيام، وتحديدا عن السؤال الأكبر الذي يكون نهاية أغلب نقاشاتنا وحواراتنا في تويتر وحتى في واقعنا (من أنت؟) وسألت الأستاذ لماذا انتشر هذا السؤال ولماذا تقلّص ميدان المعارك الأدبية النزيهة السابقة؟ فقال: ضعف التأسيس وهشاشة البناء، وقلة موارد تزويد المعرفة هي التي تؤدي بالفرد إلى زج هذا السؤال في الحوارات، وهذه الأسباب الثلاثة أعتقد أنها تنطبق بشكل أو بآخر على من نعوا الفقيد من ترجمات الأفلام..

كنا سابقا نقول أننا بحاجة إلى ورشات كتابية إبداعية حتى نخرّج كتّابا إبداعيين؛ ولكني أعتقد أننا أصبحنا بحاجة ماسة إلى ورشة عمل قراءة، لنخرّج حزمة مثالية من القراء.

افتقدنا إلى القارئ الحصيف النبيه المثالي، وابتلينا بكتّاب لا يعرفون للقراءة سبيلا، مما أدى إلى تخمة ظاهرية في عملية الإنتاج الكتابي..

لقد حضرت مناقشة كتاب لأحد المؤلفين وهو يتحدث عن الابتعاث بحكم أنه مبتعث سابق، وكان هذا كتابه الثاني وكان قبل هذا الكتاب لديه كتاب إلكتروني، وقال في معرض حديثه أنه لا يقرأ، ويعترف بذلك بل مما زاد عجبي أنه الآن في صدد نشر كتابه الثالث!!

من أجل هذا وغيره نسمع ونقرأ عبارات مثل: فليسامحك الرب، ارقد بسلام، تبا لك، اذهب إلى الجحيم، إلهنا الذي في السماء!! وهكذا دواليك..

يا قلمي: ارقد بسلام، وأما أنت يا صالح فرحمك الله رحمة الأبرار..

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *