1ديسمبر

قضية الخلود

تشغلني قضية الخلود كثيرًا، ولا أجد من أبوح له بها: ماذا سيفعل بذكري بعد موتي؟ هل قدمت ما يشفع لي للخلود في ذاكرة الناس؟ هل حفرت اسمي في دواوين التاريخ؟ هل سيبقى كرسيي شاغرًا؟ أم سيسده أدنى شيء؟
أقول هذا الكلام وأنا أرى صورة غلاف لكتاب (رسائل سيلفيا بلاث) أريد أن أكتب رسائل ولكن لمن؟ لقد افتقدت صديقي بدر عمر المطيري الذي كان لمدة سبع سنوات شقيقي الروحي في الرسائل المتبادلة معه..
لقد تراسلنا كل يوم، لم ننقطع يوما واحدا، رسائل أدبية ضمنتها في كتابي (أنا وصديقي) ولكن بعد الفراق الذي يحدث بين كل الناس، من لي (بعمر) آخر؟ صديق يكون واعيا لما يكتب، يفهم الإشارة و الإلماحة، ويزيد على الإبداع إبداعا؟ حقا لقد كانت أيام ذروة أدبية…
الغالب على الممتهنين للكتابة -حاليا- السرعة والطيش، والتظاهر بالانشغال، ليس هناك من يعطيك حبة قلبه الكتابية.. الكل مشغول والحصيلة لا شيء، ينشغلون في أعمالهم الرسمية ثم يكتبون في أوقات فتورهم، أدبا فاترا سامجا كحالتهم النفسية والجسدية..
لن يخلّدوا هؤلاء الفاترين، ولو أصدروا عدة كتب..
يجيء على بالي معنى سامٍ وفكرة آخاذة ثم أطوف على قائمة الأدباء والكتّاب عندي ولا أجد من يستحقها، فهذا مشغولٌ بعمله، وهذا أهلكه البنيان، وذاك في ملكوت الإعلام مجذوب، وهكذا تتناقص أرقام القائمة حتى أودع الفكرة بطن يومياتي التي أودعها كل ثمين..
هناك أناس متاحين ولكنهم لا يرتقون إلى المستوى الروحي والفكري والمعنوي الذي أريده، فأنا بين متاح جاهل، وواعٍ مشغول..
يعز علي أن كافكا كان يرسل لميلينا وفان جوخ لأخيه، ووهيب نديم لآمال عواد رضوان وأنا رسائلي تموت في علبة البريد..
لقد تراسلت فترة طويلة مع الكاتب الأردني علي السوداني قبل أكثر من 12 عام، ورسائلنا محفوظة، وكذلك الشاعرة الجزائرية عزيزة رحموني، والأديب الفلسطيني وهيب نديم وهبة، والكاتبة الرائعة السورية فدوى العبود والدكتورة المغربية مفيدة الضاوي، وأفكر مستقبلا أن يكون لي كتابا يجمع مراسلاتي مع الأدباء خلال الفترة الماضية..
وأنا أكتب هذه المقالة فتحت كتاب مقالات وديع فلسطين فإذا بي أقع على مقالة (قضية الخلود) وكان يناقش فيها ما حيك في صدري فعلمت أن هذه القضية كانت تؤرق من هم أكبر مني علمًا وسنًا، وما حيلتي إلا أن أقول كما قال الأول:

أعاشر معشرًا لا شكل فيهم
فأشكالي قد اعتنقوا اللحودا

 

تم نشر هذه المقالة في العدد الثاني والأربعين من مجلة فرقد:

المراسلات الأدبية

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    تعليق واحد

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *