تشدني عناوين الكتب كثيرًا، وأتفحص مدلولاتها كثيرًا وإلى ماذا ترمي وإلى أين يريد صاحبها أن يسير بخيالات القارئ..
لا يمكنني أن أتجاوز عنوان (محاولات) لسلامة موسى.. يعجبني التواضع من الشخص الكبير، تشعر أن بعد هذه السن الكبيرة والعمر المديد في الكتابة يأتيك بكتاب اسمه (محاولات) ويقول لك في مقدمته:
(هذه الفصول التالية هي <<محاولات>> لا أقل ولا أكثر، وكما هو الشأن في كل محاولة قد يكون النجاح أو الخيبة نصيبها) حتى يقول في نهاية المقدمة: (وإني أرجو القارئ أن يقرأه على أنه <<محاولة>> فقط)..
الروعة تبدأ من المقدمة فما ظنك بمحتواه؟ محمد حسنين هيكل له كتاب اسمه (في أوقات الفراغ) ويخبر في المقدمة أن هذا الكتاب هو نتيجة ما كتبه في أوقات فراغه، وكأنه بهذا الوصف يعتذر عن ما فيه لأنه كُتب في وقت الفراغ مع أن كل الكتاب منشورٌ في الصحف وهو جيد إلى أبعد حد..
الكتاب من ثلاثة أقسام، قسمٌ في السياسة، وقسمٌ في الأدب والنقد، وقسمٌ في الشأن المصري الداخلي..
في وقت الفراغ يكتب، بل إذا تململ وطال عليه النوم قلّب نظره بين الرافعي وطه حسين والمازني، يقرأ لهؤلاء في وقت ملله، فكيف هو في حال نشاطه؟ وللمازني كتاب بديع سمّاه (قبض الريح) وفي مقدمته أيضا يقول:
(زرعت حصى في أرض صفوان وهذا حصادي وقبضت الريح من كل تعبي) الكتاب يتضمن آراء المازني النقدية في كثير من المواضيع إلا إنه يقول أنه قبضة من الريح، أي لا شيء..
وهناك كتاب لمحمد بن عبدالرزاق القشعمي الأديب المعروف عنوانه رائق (أعلام في الظل) وهو شبيهٌ لكتاب الكاتب المصري يوسف شعبان (المنسيون ينهضون) فكلا الكتابين يتحدثان عن المبدعين والنقاد والأدباء الذين دهستهم عجلة النسيان وطردتهم الذاكرة بفعل فاعل أو بمرور الزمن، الكتاب الأول يتحدث عن الأعلام السعوديين والثاني عن المصريين..
وهناك كتاب لجمانة حداد اسمه (صحبة لصوص النار) وهو عبارة عن حوارات مع أدباء عالميين، والذي زاد العنوان جمالا هو وجود صور لبعض الكتاب تحت العنوان مباشرة، فيأتيك الاندهاش من هذا العنوان بالتزامن مع الصورة.. ولا يمكنني أن انسى كتاب الشاعرة السورية صبا قاسم (رأسي مقبرة جماعية) الاسم لوحده قصيدة، شاعري حد النخاع..
مثل هذه العناوين تعطيك لمحة وإشارة عما بداخلها منذ الوهلة الأولى..
كنت أقول أن العنوان عتبة النص، والآن أقول هو النص كله..
نشرت هذه المقالة في العدد الواحد والأربعين من مجلة فرقد:
https://fargad.sa/?p=22844