كثيراً ما نشاهد بعض اللقطات في التلفاز أو بعض المشاهد في الأفلام ثم نبكي من أجلها، فلماذا هذا البكاء رغم أن بعض تلك المشاهد تكون مشاهد فرح وانتصار وربما تكريم؟ يقولون: أنك تبكي احتجاجاً على واقعك الرديء فأنتَ حينما ترى بطل الفيلم ينتصر رغم كل الصعاب في نهاية المطاف فأنت تبكي من أجل غياب العدل في حياتك الخاصة، وحينما ترى حبيبان يقبّلان بعضهما في مشهد رومانسي وتبكي فأنت تعاني من جفاف عاطفي حاد، وحينما ترى لاعبك المفضل يسجل هدفا ثم يهتف الجمهور باسمه فأنت تبكي من أجل غياب من يشجعك ومن يهتف لنجاحاتك.
إنك بالمختصر تبكي من أجل ما ينقصك سواء من معاني حسية كالوفاء والحب والعطف، أو من معاني مادية كفوز في جائزة أو ترقية في عمل أو ربما تكوين عائلة سعيدة.
إن الأفلام تكمّل القطع الناقصة في لوحة حياتنا الكبيرة ولذلك نحن نحبها كثيراً؛ لأنها تعوّضنا عن مفقوداتنا التي لم نستطيع الحصول عليها.
إننا نبكي من أجل دور التقمص الذي أردناه بوعي أو دون وعي.
نتقمص دور البطل أو دور المهمش داخل الفيلم ومن خلال اندماجنا وشدة تقمصنا تأتي الدموع التي هي عبارة عن اعتذار بسبب النتيجة المفضية لصاحب الدور.
الأسف بطاقة اعتذار على هيئة دموع.
وربما نبكي لأن الفلم إنساني فحرّك شعور العطف والحنان والرأفة داخل قلوبنا الهشة.
إن الدموع لدى الرجال تختلف عنها عند النساء فهناك (تهمة) موجهة للنساء أنهن يبكين متى ما أردن بل يستخدمن البكاء كوسيلة ضغط لعلمهن بأن الدموع علامة للهشاشة على الأقل بالنسبة لهن.
الدموع حساسة رقيقة وكأنها بهذه الصفة أليق بالكائن اللطيف (الأنثى).
أعتقد أن البكاء أمام الناس فيه حرج والدليل قول الله تعالى عن يعقوب عليه السلام (وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف) فاضت عيناه بعد أن تولى عنهم، ويسند هذا القول بيت مجنون بني عامر في قصيدته المؤنسة:
وأبيكتماني وسط صحبي ولم أكن
أبالي دموع العين لو كنتُ خاليا
وهذا يعضد أن البكاء الجهري فيه حرج للرجال على خلاف السبب والمسبب، حتى أن بعضهم تعدى وتجاوز الحد في الصبر إلى درجة أنه لا يبكي عند فقد الأموات مع أن الموت أعظم المصائب وأشد النوازل:
ولا تراهم وإن جلّت مصيبتهم
مع البكاة على من مات يبكونا
على أني أرى البكاء نوعا من التنفيس لاسيما في الخلوة بصرف النظر عن نوع الباكئ..
الدموع بريد الرقة.