أذكر أني كنت اقرأ في مكتبة والدي مجلة حباشة وهي مجلة علمية سنوية تُعنى بالبحث العلم في (الدراسات العربية وتاريخها وتراثها الفكري) للأستاذ الدكتور عبدالله أبو داهش علامة الجنوب، وكان أحد أعدادها يتحدث عن سوق عكاظ، ومن هناك بدأت رحلتي مع سوق عكاظ، ومعرفتي به إذ لم أكن مهتما كثيرا بمواسم العرب الجاهلية ولا الأسواق سوى ما يُذكر لماما في كتب الأدب.
سوق عكاظ أحد أهم أسواق العرب في الجاهلية.
انتهى سوق عكاظ ولكن تأريخه لم ينتهي فعاد لنا مرة أخرى بحلة جديدة، حلة تتناسب مع العصر الحالي.
تم إعادة السوق عام 2007م على مساحة تقدر بـ 10572800 متر مربع ضمن برنامج التطوير الاستراتيجي التنموي السياحي لمدينة الطائف.
أقيم فيه مهرجان كبير ومسابقات أدبية وشعرية وأصبح هناك شاعرا يفوز كل عام ويُعطى بردة اسمها بردة شاعر عكاظ.
فاز هذه السنة بالبردة الشاعر العذب محمد إبراهيم يعقوب.
لقد عاد أيضا بالعروض المسرحية والحرف اليدوية والمكتبة الثقافية والقصص التاريخية ومعارض للفنون التشكيلية وفرق الفنون الشعبية.
إن إعادة سوق عكاظ لقريب من سابق عهده أمرا في غاية الأهمية لاسيما في الوقت الذي قلّ اتصالنا فيه بالماضي.
سوق عكاظ قائمٌ على التبادلات التجارية والمباريات البلاغية وتحكيم الشعر، وكانت العرب لا تقيم الصلات التجارية إلا مع من يحضر السوق حتى أن الملوك، ملوك الفرس والروم كانوا يرسلون الحلل والهدايا والأعطيات للأعيان وكبار القوم ليستميلونهم وليكثروا الحلفاء في جزيرة العرب.
ومن مزايا هذا السوق بيع الأدم، وصار يضرب في أديم عكاظ المثل فيقال: أجود من أديمٍ عكاظي، وأديم عكاظي: منسوب إِليها وهو مما حُمل إلى عكاظ فبيع بها.
وأحد أهم مزايا هذا السوق أنه عكظ اللهجات وروّضها وميّز الصحيح من السقيم حتى كادوا يتفقوا على لهجة واحدة؛ على أن صاحب اللسان يقول في مادة عكظ: وعكاظ سوق للعرب كانوا يتعاكظون فيها؛ قال الليث: سميت عكاظاً لأَن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضاً بالمفاخرة، وكانت قبائل العرب تجتمع بها كل سنة ويتفاخرون بها ويحضرها الشعراء فيتناشدون ما أحدثوا من الشعر، ثم يتفرقون. وهذه عادة من عادات الشعر الكثيرة القديمة في أنهم يتناشدون في الحديث من قولهم لاسيما بعد وجبة العشاء.
لقد أصبح السوق على هيئته الحالية منارة سياحية، وتظاهرة ثقافية، وعامل جذب للزوار من داخل وخارج المملكة.
سوق عكاظ إرث الماضي، وبوابة المستقبل.
نشر في العدد السادس والثلاثين من مجلة فرقد:
https://fargad.sa/?p=18584