ما هو الحد الفاصل بين الشباب وبين المشيب؟ بصرف النظر عن التغيرات الجسدية والظاهرية؟ لماذا العرب ندبت الشباب أكثر من أي شيء آخر؟
الأسئلة عربية والإجابات إيطالية:
(يقولون أن الشباب هو عمر الأمل؛ لأن المرء حينئذ يتوقع الكثير من الآخرين كما من نفسه. يتوقف المرء عن أن يكون شابا حينما يميّز بين نفسه والآخرين، حينما لا يعود بحاجة إلى رفقتهم. ويصبح المرء كهلا بطريقتين: أما بالتخلّي عن الأمل، أو الأمل بلا شيء)
أعتقد أن ميزة مرحلة الشباب تكمن لذتها في التجارب والخروج من منطقة الراحة والسير للمجهول وارتكاب الحماقات، الحماقات هذه التي ستصبح مستقبلا (خبرة).
مشكلة التقدم في السن كثرة التفكير في العواقب، وميزة الشباب التهور والمضي قدما في عالم التجربة. لن تجد مسنا يتطوع في تنظيم معرض؛ لكن ستجد الشباب يتهافتون من أجل هذا التطوع، بسبب الطاقة وبسبب اكتشاف لذة جديدة.
أنيس منصور يقول: الندم من صفات الشعر الأبيض، وهذا صحيح فالشاب لا يندم، ولا يفكر في المستقبل؛ بل يفكر في الحاضر، ولا شيء غير اللحظة الآنية. المتقدمون في العمر لديهم نظرة ثنائية، عين الماضي وعين على المستقبل، وأما الشاب فلا يشغله سوى تفكيره بالحاضر.
الندم شعار الشيخوخة، والمتعة شعار الشباب. من بعد الأربعين يبدأ الإنسان يفكر بالألم، وقبل الأربعين هناك أسلاك شائكة تمنع التفكير في العذاب. الضمير في مرحلة الشباب يكون غضا طريا، وأما في مرحلة الرشد الحقيقي يكون قبطانا يقود سفينة الإنسان.
الإنسان يشعر بوخز الضمير؛ لأنه أهان نفسه، ووضعها في محل النقد والعقاب. الخطيئة في الشباب تسمى متعة أو نزوة؛ لكن مع تقدم العمر تحافظ الخطيئة على اسمها بقوة في معجم الأسماء.
النفس تميل إلى تسويغ أخطائها في الشباب بسبب أن هذه المرحلة حقل تجارب؛ وأما إذا استوى العمر على سوقه؛ فالنفس تأبى أن تستمر التجارب إلى هذه المرحلة المتأخرة من العمر. مع تصرم الأيام تتهذب النفس الأمارة وعوضا عن المتع الحسية تنصرف إلى المتع المادية كامتلاك الأراضي والعمارات وتبدأ مرحلة أخرى من المراهقة المتأخرة. هامش الخطأ في الأمور المادية لدى الشباب قليل؛ بيد أنه مع المتقدمين في العمر كثير لعلمهم أن الموت قريب، وأنهم بحاجة إلى تأمين أنفسهم وعائلاتهم من بعدهم. الخطأ من الشاب مستساغ؛ ومن الراشد كارثة. لكل مرحلة أخطائها لكن أخطاء الشباب هي المحببة للقلب.
تم نشر هذه المقالة في العدد الثامن والعشرين من مجلة فرقد:
