ما من تقنية أحدثت تغييرا واضحا على بنية الحوار لدى البشرية مثل تقنية تويتر.
إن تويتر جاء ليلغي جميع الحدود، ويهدم كل الأعراف، ليبني هو سياسته الجديدة التي تعتمد على الفوضى الخلاقة ولا شيء غير الفوضى.
إن إتاحة التعبير لكل أحد دون التعرض للمحاسبة أمر في غاية الخطورة، وهو الذي تسبب لنا في الحروب الكلامية التي نجدها كل يوم في تويتر.
حروب بلا دماء ظاهرة، لكنها جروح تنزف منها الروح وتعاني منها الحالة المزاجية.
مع استمراري في هذه الحياة -حتى الآن- أجد أن الإنسان حيوان محارب في المقام الأول، ثم حيوانا جنسيا في المقام الثاني، وهذا يؤكده الواقع والمشاهدة. إن النفس البشرية تظهر بأبشع صورها حينما ترتفع الأنظمة، ويغيب الرادع، وتنعدم العقوبة، ليظهر لنا الوجه الحقيقي للقسوة البشرية.
ما يحدث في أروقة تويتر ليس حوارا، إنها حرب على هيئة كلام، إنها أزمة نفسية في قالبٍ حواري هزيل.
تجد كل الرذائل الحوارية في تويتر وعلى هامشه، وفي دهاليزه وادخل أي وسم وستجد النحر الكلامي على أشده. التطرف هو مجاوزة الحد، وأنا أشهد أن تويتر تطرف كثيرا بسببه هو، أو بسبب مستخدميه، لا فرق عندي؛ المهم أن ساحة تويتر تذكرني بساحة القتال الرومانية، فهناك كان يفوز الأقوى صاحب العضلات المفتولة، أما هنا في تويتر فيفوز صاحب اللسان الطويل، والكلمات القذرة، والأوصاف البذيئة (أو ما يسميه ميشيل فوكو مبيان القوة).
إن ما يحدث في تويتر ما هو إلا الانعكاس الحقيقي للشخصية الواقعية للمجتمع، وهذا نذير شؤم.
حينما تذهب للمحاكم وتسمع هول المشكلات هناك من عضل وفسخ وحضانة تعرف أن هؤلاء المرضى ما هم إلا نفس الأشخاص الذين يحقنون تويتر يوميا بالمادة المأزومة.
ربما إن كانت هناك ميزة وحيدة في تويتر فهي أنها كشفت الأقنعة عن أناس كنا نعتقد أنهم من القدوات؛ ولكن تويتر حطّم هذه الأصنام القدواتية، وعراها للجميع.
هذه الواقع المأزوم التويتري هو أصدق مثال على حضارتنا نحن العرب في الوقت الراهن، نعم ليس كل الأمة العربية تستخدم تويتر؛ لكن الشباب الذي هم عماد هذه الأمة ونبراسها وفخرها، هم الذين ينتاحرون ويضربون أسوأ الأمثلة في التنمر والكراهية والعدوانية وحتى الفجور في الخصومة؛ ومن أجل كل هذا تنبهت الشركات الكبرى لمواقع التقاطع الاجتماعي وخصوصا تويتر، وعلمت أن هذه المواقع هي أصدق سيرة ذاتية للمرء، لا الأوراق المقدمة على طاولة المقابلة الشخصية، فتراهم يبحثون في تغريداته وينظرون إلى أسلوبه، وكيفية ردوده وتعامله مع الناس، وهل هو ممن يكثر التشكي من العمل -إن كان يعمل- وما هي نفسيته وكيف يتعامل مع الضغوط وغيرها من الأمور التي من الممكن أن يتم اكتشافها من خلال التغريدات.
إن صفحتك في تويتر قادرة على عزلك من وظيفتك؛ وسجنك أيضا.
وتستطيع سماع المقالة بدون مؤثرات:
https://soundcloud.com/hattemali/o0jckvd81znr
وتستطيع سماع المقالة بمؤثرات:
https://soundcloud.com/hattemali/6emiqze4cui3