لطالما عرفنا أن القراءة هي البوابة الكبيرة للمعرفة، وعلى هذا الأساس يأتي المديح كثيرا لمن يحسن ويكثر في القراءة، ربما كان مفهوما ومقبولا هذا الوصف في العصر السالف الذي لم تكن فيه الكتب -كل الكتب- بعجرها وبجرها متاحة للكل، للذي عقله يتحمّل/ ولا يتحمل كل هذه المعلومات الواردة وتصفيتها.
لأننا بشكل أو بآخر وصلنا إلى (السمنة المعلوماتية) وهي وصف للاستهلاك المفرط للمعلومات في العصر الرقمي.
الإفراط في تناول الطعام يؤدي إلى مشاكل صحية مثل السمنة، كذلك يكون الإفراط في المعلومات يؤدي إلى آثار ضارة على الصحة العقلية والوظائف الإدراكية.
هناك نزوع ملاحظ في هذه الآونة إلى تقديس المدنس وتدنيس المقدس على اعتبار ألا وجود لهذين المصطلحين في عصر العلم والكشف والبحث كما يزعمون.
المقدس هو (كل قيمة أو مواضعة متعالية سكنت الذاكرة الجمعية في الثقافة العربية).
المدنس هو (يتضمن كل أبعاد المدنس الدينية والاجتماعية والتاريخية).
هل يعقل أن يتم النقاش حول مظلومية “إبليس” بحجة أن كل فكرة هي موضع نقاش وكل شيء قابل للتحليل!
هذا يقودنا إلى أن القراءة الفوضوية غير المنضبطة تجعل الفرد يتناول كتبا من شأنها التشويش وزرع الضبابية؛ لأن المسالة لم تعد فكرية أبدا؛ بل الأمر أبعد من ذلك.
إن فكرة تبرئة إبليس معضلة، وفكرة خطيرة جدا على المخيال العربي، وربما العالمي أيضا.
لعل الأدباء والكتّاب يسعون في هذا النهج المخالف عرفا وعقلا لعدة أسباب كما ذكرها صاحب تقديس المدنس في الشعر العربي المعاصر وأعاد هذا الأمر إلى ثلاثة أسباب:
1-ذاتية الشاعر/ هاجس الاختلاف.
2-الحاجة الفنية/ البحث عن الدهشة
3-التأثر بالغرب.
أنا لست مع الغطرسة الفكرية والتي تؤدي إلى الانغلاق الذهني وإلى الانحياز التوكيدي؛ ولكني مع الاعتدال والاقتصاد الفكري المتزن المرن؛ لأني أعلم أن هذا العقل الجبار يتم قصفه يوميا بكميات هائلة من المعلومات الضارة والنافعة والتي من شأنها إغراقه في نهر التشتت الذي يصب في بحر الشكوك.
ليست الفضيلة دائما في البحث عن الغرائب والشاذات من الأفكار.
كما أن لكل شيء حد، يجب أن يكون للعقل حدا.
إذا كان إبليس بريئا، وآدم لم يأكل التفاحة الفاكهة، وإنما أكل موضعا بين شيئين! ماذا بقي؟
بقي أن نقول أن اللبن أسود اللون.
بلا شك أن ابليس يشكر المحامين الرائعين الذين دافعوا عنه ولكنه هو يعلم جيدا: أنه ليس ببريء.