أحرص جاهدا في مشاركاتي الخارجية على ارتداء الزي السعودي اعتزازا وفخرا به فهو رسالة ثقافية للحاضرين ومفتاح لبداية حوار عن المملكة وعن ما يحمله هذا الزي من رموز ودلالات.
كثيرا ما يبدأ الحديث بسؤال بسيط عن الثوب والشماغ والعقال ثم يمتد إلى التعرف على تفاصيل الحياة السعودية وعمقها الإنساني والثقافي وكأن الزي يفتح بابا للمعرفة والمودة في آن واحد.
عندما أرتدي الزي الوطني في الخارج أشعر أنني أحمل معي قطعة من الوطن وكأن خيوط القماش تحتفظ برائحة الصحراء وهدوء النخيل وصوت المجالس المليئة بالحكايا والقصص.
كل تفصيل فيه يحمل ذكرى من حياة الناس اليومية ليتحول الزي من مظهر خارجي إلى امتداد لهوية متجذرة في الوجدان.
كثيرا ما يسألني البعض: هل هو لباسكم اليومي؟ فأجد نفسي أشرح أنه جزء من أسلوب الحياة في السعودية وأن لون الثوب الأبيض يعكس صفاء السريرة وبساطة العيش وأن الشماغ والعقال يمثلان تقاليد متوارثة تعبر عن الاحترام والوقار والسؤدد والآخر يسأل: ألا تجدون الحر مع هذا اللباس؟
فأضحك وأقول إن هذا الثوب خرج من رحم المناخ ذاته وأن خفته جاءت نتاج قرون من التعايش مع الشمس والرمال فهو ينساب مع الريح ويحمي الجسد من وهجها في الوقت نفسه.

من خلال هذا الحوار يقترب الآخرين من فهم ثقافتنا بصورة إنسانية ويشعرون بالقرب من تفاصيلها التي لا ترى في العناوين والأخبار.
وفي كثير من الأوقات حين أكون بعيدا عن الوطن أشعر أن ارتداء هذا الزي يعيد إليّ الطمأنينة ويوقظ في داخلي ذكرى الجذور التي أنتمي إليها مانحا إياي إحساسا دافئا بالانتماء رغم البعد لأن الهوية شعور متجذر يتجلى في التفاصيل الصغيرة التي ترافقنا أينما أخذتنا الطرق.
ذلك الثوب الأبيض الذي يبدو للآخرين زينة من قماش هو في جوهره مرآة لتاريخ طويل من الصبر والكرم ومن النجاة في الصحراء ومن الإصرار على الحياة رغم شحها.
حين أرتديه أشعر أنني أستعيد صوت الأجداد وهم يسيرون بثقة تحت شمس قاسية يحملون في قلوبهم ظل النخلة وكرم الماء، وهكذا يبقى الزي رمزا من رموز الفخر وجسرا بين القلب والذاكرة وبين الإنسان وجذوره وبين الحاضر وتلك البدايات الأولى التي صنعتنا.
هو حكاية وطن يظل حاضرا في القلب مهما ابتعدت المسافات ويضيء في الذاكرة كما يضيء النهار حين يلامس وجه الأرض نقيا وثابتا لا تغيب ملامحه عن الروح.

