20أغسطس

تأثير العتبة

كثيرا ما يحدث أن تدخل الغرفة أو المطبخ وتنسى ما الذي أتيت من أجله؟
وأحيانا تنسى اسم الشخص أو المطعم أو المقاضي وكأن هذه المعلومات لم تعرفها وتبخرت تماما!
ما الذي يحدث؟ وتبدأ تسأل نفسك هل شيّبت؟ أو أن هذه أعراض تآكل الذاكرة؟
هذه الظاهرة التي تبدو بسيطة وعابرة تسمى “تأثير العتبة” وقرأتها مؤخرا في مقال نشر على Ethic بعنوان:
“Efecto umbral: por qué se nos olvida lo que íbamos a hacer”

“تأثير العتبة: لماذا ننسى ما كنا على وشك فعله”

تتناول الكاتبة هذا التأثير من منظور علم النفس المعرفي وكيف أن عبور العتبة الفيزيائي يمكن أن يعيد ترتيب الأولويات في دماغنا بطريقة تلقائية فينسينا ما كنا ننوي فعله.
السبب؟ لأن الدماغ يتعامل مع الذاكرة كمساحة مرنة تتأثر بالمكان، والسياق، والإشارات الحسية وكأن العبور الجسدي يرافقه عبور داخلي يعيد كتابة السياق.

ما شدني في المقال هو الشرح العلمي والصورة الوجودية التي تنفتح من خلاله.
فنحن بطريقة ما نعيش على أعتاب كثيرة: نمر من مشروع إلى آخر ومن علاقة لأخرى ومن نية إلى نية وغالبا ننسى ما الذي كنا نريده أصلا وهذا ليس له علاقة بكبر السن أو ضعف الذكار ولكن لأننا نعيش في واقع شديد التقطع حيث اللحظة التالية تسحب اللحظة الحالية إلى الخلف دون أن نستوعب.

بهذا المعنى أصبح النسيان مهما لما يحمله من أبعاد رمزية.
كم من الأشياء نسيناها لأننا مررنا إلى مرحلة جديدة؟
هل كان ما نسيناه تافها أم مهما بدرجة لا يحتملها الحاضر؟
وإذا كان المكان يعيد تشكيل ذاكرتنا فماذا نقول عن الانتقال من مرحلة عمرية لأخرى ومن هوية لأخرى ومن حب إلى لا حب؟

لكن هذا المقال جعلني أتعمق أكثر لأسأل:
ماذا لو لم يكن النسيان خطأ؟
ماذا لو أن هذا “النسيان اللحظي” هو جزء من طريقة أعمق في فن العيش؟
هل نحتاج أن نتذكر كل شيء لنكون حقيقيين؟

النسيان يعد آلية لترشيح المعلومات ولذلك: ما لا يبدو مهما الآن يلقى جانبا كما قال أحد الباحثين في علم الأعصاب:

“الدماغ يفضل أن يكون فعالا لا شاملا”.
المفارقة أن هويتنا تتشكل من ذاكرتنا…ومن نسياننا أيضا.
فما نختار أن ننساه (أو ما يختفي تلقائيا) يعيد تشكيل تصوراتنا عن أنفسنا وحتى قصتنا الشخصية.

ولذلك حينما تنسى المفاتيح في المرة القادمة أو نظارتك تذكر أنك لم تكبر ولكن هذا هو تأثير العتبة.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *