في عالم يكثر فيه الضجيج تغدو القصائد منزوية في الزاوية.
لا أحد يتوقع أن تترك الكلمة أثرا أو أن يغير شاعر نظرة إنسان لبلد كامل لم يزره قط لكن هذا ما حدث فعلا حين نؤمن أن الشاعر رسول ثقافي.
في مهرجان شعري العام الماضي في الصين يجمع شعراء من دول البركس كانت اللغات مختلفة والجنسيات شتى ولكن جمعنا وربطنا رابط واحد وهو الشعر.
أتذكر الجدول المزدحم والأروقة المكتظة وأصوات الشعراء تعلو في المكان.
تسمع القصائد بكل اللغات وبكل اللهجات وتسمع بعد ذلك تصفيق جماعي كأن القصيدة أصبحت لغة مشتركة لا تحتاج ترجمة.
ظل ذلك المهرجان حيا في ذاكرتي كحالة شعورية ممتدة لتعود بعض مشاهد المهرجان فجأة إلى ذهني لأدرك أن القصيدة تترك أثرا أطول بكثير مما نتوقع.
اليوم وبعد مرور سنة كاملة وجدت نفسي أمام لحظة مميزة استثنائية حين وصلتني قصيدة من الشاعرة الصينية (Luwenli) تكتب عني كما رأتني:
“رجل يرتدي شماغا أحمر ويتحدث عن الحزن كما لو كان ابنا له”
حين تقول شاعرة أجنبية: “الشعر دواء البشر والأمل نغمنا الأبدي” وتضع تلك الكلمات على لسان حوار بيننا فهي تعلن عن لحظة اتصال حقيقي لحظة انتصار للثقافة على المسافة وللكلمة على اللغة.
إن قصيدة واحدة وشاعر وموقف واحد قادر على صنع أثر طيب يبقى لسنوات طويلة.
في هذا المهرجان وغيره من المهرجانات اكتشفت -كما يكتشف كثير من الشعراء- أن القصيدة تكون سفيرا بالنيابة عنك وأن الثقافة حين تمارس بأمانة يكون وقعها في النفوس أبلغ.
“وابتسم بينما شماغه يرفرف مع الريح،
مثل عَلَمٍ وحيدٍ في الصحراء”
لقد كنت أحرص ما استطعت أن أرتدي الثوب والشماغ في الأمسيات الشعرية الدولية والمعارض العالمية حتى أحمل معي صورة صادقة عن ملامح بلادي وأجعل الحاضرين يرون في حضوري امتدادا لتاريخها وعاداتها.
كنت أؤمن أن المظهر مثل الكلمة جسر صامت يعبر الثقافات وكل تفصيلة فيه تحكي حكاية وتفتح بابا للحوار قبل أن يبدأ القصيد وتنشد القصائد.
أسعدني أنها كتبت عني قصيدة وسوف تنشرها في ديوانها القادم.
وربما في مكان ما على هذه الأرض هناك قصيدة أخرى تنتظرني وشاعر لا أعرفه بعد وعيون ستلمح الشماغ قبل أن تسمع صوتي.
وما دامت القصائد قادرة على السفر أبعد منا فلن تنطفئ الطرق أمام الحالمين بالكلمة ولن يتوقف الأمل عن إيجاد نغمه الأبدي.
ودائما وأبدا على دروب الثقافة نلتقي.
