تمر على الإنسان لحظات ومواقف وعادات معينة يعرف بعدها أنه لم يعد صغيرا.
أدركت أني كبرت حينما علمت أني لن أستطيع تغيير العالم وبالكاد أستطيع تغيير نفسي، وكانت لحظة مؤثرة وحزينة لأني كنت أعتقد أنني أستطيع تغيير العالم ولكني فهمت أن تغيير العالم يبدأ من نفسي أنا فالتغيير يكون من الفرد وليس العكس.
علمت أني كبرت حينما اشتريت “راحة بالي” على الفوز بكل نقاش وإثبات صحة وجهة نظري في النقاشات. أصبح السكوت هو العلامة الملازمة لي في حال رأيت أن النقاش من الممكن أن يتحول إلى جدال أو إلى مراشقات كلامية، ولم أعد أهتم بتصويب آراء الآخرين فلو قال لي أحدهم أن اللبن أسود لقلت نعم ومضيت بسلام.
علمت أني كبرت حينما أدركت أنه ليس من الضروري أن يكون لي رأي في كل شاردة وواردة؛ فالصمت أوسع لي.
لا شك أني كبرت حينما لم يعد لي طعام مفضل أو طبق معين، وإنما آكل من الموجود والمتيسر والحمدلله.
كبرت عندما لم أعد أحضر مباريات فريقي المفضل لاسيما إذا كانت في أوقات متأخرة أو في أوقات اجتماعات العمل واكتفي بالملخصات لاحقا.
كبرت حين قبلت أن بعض الأصدقاء سيرحلون. لم أعد أفسّر كل غياب خذلان. أدركت أني ربما أكون مرحلة في حياة أحدهم وليس حياته كلها!
لم أعد صغيرا لأني صرت أفضّل الأفلام والبرامج الوثائقية على أفلام الآكشن والدراما.
حتما أني كبرت لأني صرت أسمع للراديو في السيارة بدلا من اليوتيوب والبودكاست.
كبرت لأني صرت من يقدم الهدايا لا من يستقبلها.
أصبحت كبيرا حينما أصبحت كلمة “لا” سهلة على لساني وأرددها كثيرا.
كبرت حينما تضاعفت لدي الأسئلة أكثر من الأجوبة، وأدركت أن ما أجهله أكثر مما أعلمه.
أصبحت كبيرا بما يكفي عندما قل حكمي على الناس كثيرا، وأجد لهم الأعذار قبل الحكم عليهم.
اكتشفت أني كبير حين صار الليل وقتا للسكينة لا للسهر ومشاهدة التلفاز.
كبرت حين صار صوت المطر يهمني أكثر من الأغاني.
ودعت الطفولة والمراهقة حينما علمت أن لا أشباح تحت السرير، ولم يعد الظلام مخيفا كما كان.
أصبحت كبيرا جدا لأدرك أهمية العائلة، ومن لا يدرك أهمية العائلة فهو صغير ولو كان في الثمانين.
وأنت قلي صديقي القارئ: متى علمت أنك كبرت؟