أنا حكّاء ووصاف من الدرجة الأولى.
أجيد مهارة الحكي والوصف وكذلك نمّيت مهارة الاستماع عندي مؤخرا ولذلك أحب الجلسات المفتوحة التي يكون عمادها “الحكي” سواء كنتُ متكلما أو مستمعا.
في الآونة الأخيرة أصبحت هذه الجلسات المفتوحة شحيحة ولا تكاد تظفر بواحدة إلا كل ستة أشهر وربما أكثر من ذلك.
الناس لم تعد تحب السوالف والأخذ والعطا.
أصبحت تصرف جهودها وطاقتها في دواماتها ثم أجهزتها الذكية وحتى المحادثات في هذه الأجهزة صارت تعتمد بشكل كبير على الرموز التعبيرية (الإيموجي).
والله إني أشتاق للسوالف والحكي في مجلس يغص بالناس وهناك كبير السن الذي يمسك بزمام المجلس ويعطينا مما أعطاه الله من التجارب والحكم.
حضرت أكثر من مجلس مؤخرا وإذا كل اثنين يتحدثون مع بعضهما بمعزل عن الآخرين، والبقية ينظرون في أجهزتهم والتلفاز يبث مباراة كرة قدم، وإن حاول أحدهم فتح موضوع عام فإنه يتحدث عن أحدث ترند بمواقع التواصل!
لو كنت أريد أحاديث الترند وقصص المشاهير فإنها موجودة في هاتفي، لقد أتيت لملاقحة عقول الأذكياء وسماع ملح الأخبار وطرائف التجارب.
هل أنا لوحدي الذي يشتاق لهذه الأحاديث؟
لقد رأيت لقاء للشاعر المبدع الكويتي عبدالله علوش في لقائه الأخير في بودكاست دواير وهو يشتكي من هذا الموضوع ويشتاق للسوالف الخاصة والأحاديث المعمقة.
أحب من يسولف معي ويكون حديثا طويلا رائعا فيه من الأخذ والرد والحكم والنكت والطرائف والجدال الشيء الكثير.
ما زلت أؤمن أن فينا بذرة الحكي وإن خبت جذوتها. ما زال هناك في زاوية ما من القلب شغف للحديث المطوّل والحوارات المذهبة.
أين تلك الجلسة التي تبدأ بسؤال عابر فتمتد الإجابة إلى قصص الجدات وتجارب السفر والنكات السامجة.
كل أحاديثنا اليوم مرتبطة بالعمل والدوام وزملاء المهنة.
أين القصص والأسئلة والحوارات التي تتحدث عن الأشياء العميقة في الحياة: الإيمان/ الروح/ تثقيف الذات/ الظلم/ العدل/ وغيرها من الموضوعات التي تفيد العقل وتربي النفس.
سيظل فينا من يسأل: ما الذي يجعل الأحاديث الحقيقية نادرة؟
إذا التقيتني يوما في مجلس مفتوح فلا تتركني وحدي..دعنا نحكي دعنا نروي ما حملته الأيام لنا.