6مايو

مباهج الكتاب وأوجاعها

لطالما أغرمت بالكتب غير الروائية للروائيين أو بشكل أخص، فإني أحب أن اقرأ للناس المشهورين في فن معين كتبا في غير فنونهم التي اشتهروا فيها فمثلا قرأت مقالات إيليا أبو ماضي، ويوميات كافكا، ومقالات عبدالله البردوني، ومسرحيات شوقي وهكذا فإني أميل كل الميل لاستكشاف روح المبدع عن طريق جنس أدبي لم يشتهر به، وهذا هو الحال مع هذا الكتاب.

هذا الكتاب هو لأحد المؤلفين المثيرين للاهتمام والجدل إرنست همنغواي الحائز على جائزة نوبل عام 1954م.

يأتي هذا الكتاب في موضوع أمارسه منذ التكوين، وقرأت عنه الكثير، ومع ذلك فإني أحب من فترة لأخرى أن اقرأ الكتب التي تتحدث عن الكتابة، ونادرا ما أحب أن اقرأ كتبا تتحدث عن القراء بالرغم أني قرأت منها الكثير.

هذا الكتاب لم يكتبه همنغواي بالمعنى المتعارف عليه؛ بل هي التقاطات وتجميعات من قبل المحرر والصحفي والكاتب الأمريكي لاري فيليبس الذي عمد إلى قراءة كل كتب همنغواي ومقالاته ومقابلاته الصحفية ومراسلاته واستخرج منها كل ما يتحدث عن (مباهج الكتابة وأوجاعها) مع أن همنغواي نفسه لم يكن يحب أن يكتب عن الكتابة؛ لأن يظن ان الكتابة عن الكتابة (فأل سيء) وربما تحرمه لذة الكتابة.

الذي فتني في الكتاب وفي همنغواي عموما هو التزامه بمهنة الكتابة رغم كل ما تعرض له في حياته من حروب ومآسي؛ إلا أنه استمر في الكتابة، واستمر يمد العالم بروائعه وتجد في هذا الكتاب نتفا وتحفا من لكزاته وإرهاصاته فيقول مثلا: (يجب على الكاتب الجيد أن يحيط بمعرفته كل شيء تقريبا. لكنه بطبيعة الحال لن يتمكن من ذلك. قد يبدو للعيان أيضا أن الكاتب العظيم يولد متمتعا بالمعرفة الفطرية، وهذا ليس حقيقيا. كل ما في الأمر أنه يولد مفطورا على التعلم بسرعة أكبر مع مرور الوقت من الرجال الآخرين دون أن يبذل أي جهد متعمد، كما يكون لديه الفطنة التي تخوّله قبول أو رفض ما يقدمه الآخرون على أنه معرفة).

الذي علّمني إياه همنغواي في هذا الكتاب أن الكتابة قرار وليس إلهام، بمعنى أن الإلهام هو جزء بسيط من عملية كبيرة من الجهد والبحث والعناء.

إن همنغواي يشبه الكاميرا التي لا تترك شيئا إلا وتلتقطه إنه يسافر ويذهب ويجيء ويختلط بالناس وهو مع كل هذا يخزّن كل ما راه وسمعه لينثره لاحقا على الورق، إضافة إلى مقروءاته الكثيرة المتنوعة.

الكتابة ليست موهبة فحسب؛ إنها أساسا قرار.

الكتاب من القطع المتوسط من ترجمة جوهر عبدالولي، من إصدارات منشورات حياة يقع في 142 صفحة، الصادر عام 2023م.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *