26مارس

بلاد الثلاثاء

بلاد الثلاثاء لخالد سليمان الناصري.

كلنا نحب الثلاثاء إلا الناصري، فإن كل مصائبه جاءت يوم الثلاثاء..

الناصري هكذا يعرّف نفسه دائما إنه يتجاهل/ يتناسى الاسم الأول لعلمه ألا خلود في هذه الفانية..

يكتب بدموية ساحقة، لا تضع كتابه بجانب المايكرويف سوف ينفجر، بداخله رصاص لا حروف..

أشم رائحة البارود، إنها ريحة كتاب الناصري..

كلما سقطت ورقة من داخل الكتاب، سقطت جثة..

إنه يحمل في ذمة الله قتلى كثيرون..

يتوه البدوي الناصري في دروب تدعو الأمهات أن يعودوا منها، ولا يعودوا..

في الصحراء يركض خلف أحلامه التي فرت على ظهور جياد أصيلة.

منبوذ في هذه الحياة، لا أحلام محققة، ومعه مفاتيح يخشخش بها لا تفتح أي باب..

ملعونة تلك المفاتيح التي لا تفتح أي شيء..

إنه مثل فرناندو بيسوا حينما قال (وسوف أكون دوما ذلك الذي انتظر أن يُفتح له الباب عند جدار لا باب فيه).

إنه آثم وليس بقديس، يلهو في الليل وعلى ظهره مآذن شتى..

الناصري منذ ثلاثين سنة يبكي لأن في غرفته زهرات بيضاء تنمو، سقاها بدموعه لا بالماء، وهو من ذلك الحين يبكي حينما يريد السقيا..

إنه شاعر رهيف وحساس، يرفرف بجناحين ولا يطير، يزمجر بصوته ولا يملك الغابة، يرغع عقيرته ولا أحد في النادي..

إنه يتحدى الموت بكتابته هذه القصائد، إنه يرفض أن يموت موتة عادية..

ربما سيموت كما مات أصدقائه؛ لكن حتما سيبقى في أذهان قرائه..

لا شك أنه كتب هذا الديوان وهو مسحول/ مخذول منبوذ من كل الجهات والمنافي..

مقهور هو تحت شمس الوقائع، مستاء من سيناريو الحياة..

هذا الديوان عريضة احتجاج للعالم أجمع، ووثيقة تدين الإنسانية..

يلهو بهراوة بين الصفحات/ يمشي بدبابة تدوس الحروف/ يحمل ديناميت في جيوبه ليعبر عن رفضه للواقع والماضي والمستقبل..

لقد عرفت الناصري صاحب دار النشر لكن لم أعرف الناصري الفنان/ الشاعر/ الأديب الحزين..

بشوش في الواقع، ينوح في الكتاب مبتسم في الحقيقة،  يولول في الديوان..

تشعر أنه يمسك ببوق ويصيح بأعلى صوته في كل قصيدة..

انجرح حلقه من الصياح..

يبكي في زاوية الديوان لأنهم اقتلعوا حنجرته ورموا بها في النهر؛ فغنى النهر..

أصوات الأنهار ليست أصواتها الأصلية، إنه صوت حنجرة الناصري المقلوعة..

كلنا نملك أقلاما نكتب بها إلا الناصري يملك حراثة يحرث بها اليباب..

الناصري بعد كتابة هذا الكتاب أثبت لنا فعلا أنه: خالد.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *