1نوفمبر

في معنى أن نموت

كتاب في معنى أن أنموت لكوري تايلر، ترجمة عبدالوهاب أبو زيد.

كوري تايبر كاتبة إسترالية.

المترجم عبدالوهاب قرأته له أكثر من كتاب مترجم وكان آخرها (مثل آدم في جنته)، إنه من المترجمين الذين أثق بهم، وفي اختياراته.

عبدالوهاب شاعر قبل أن يكون مترجما، فلقد تصرف في عنوان الكتاب الأصلي تصرفا شعريا؛ فعوضا عن أن يترجم العنوان الأصلي للكتاب (Dying) إلى الموت أو الاحتضار، ترجمه إلى (في معنى أن نموت) لكي يكون العنوان شاعريا يستق مع شاعرية السرد.

غلاف الكتاب

الكتاب فيه مسحة حزن عميقة، إنه يعرض لحياة الراحلين الذين يعلمون أن وقتهم في هذه الدنيا محدود، إن المؤلفة تكتب بشفافية عالية، وتسمعنا صوتها الداخلي بوضوح.

كيف يمكن للمرء أن يستمر في هذه الحياة، والأطباء يخبرونه بمحدودية أيامه؟

إن تايلر كمثيلاتها من مرضى السرطان فكّرت جديا في الانتحار؛ ولكن المميز فيها أنها لم تفكّر في نفسها؛ بل فكّرت في أثر الانتحار على ولديها وزوجها، وعلى الممرضة في المستشفى التي ستشاهدها، أو عاملة الفندق.

إن من أسباب احجامها عن إنهاء حياتها بيدها ليس داخليا، بل هو خارجيا لأنها تقول ما ذنب أولادي حينما يعايرهم الناس بأمهم المنتحرة؟!

إنها لفتة إنسانية أن تتحمل آصار وآثار المرض من أجل سمعة العائلة.

لقد تحمّلت أن تموت ببطء.

تتداعى بصعوبة، وبسرعة مناسبة.

ترى نفسها وهي تتساقط كأوراق الخريف، هذا المرض يزحف على جسدها بروّية، ويفتك كوحش.

هذا المرض يسرق المريض من أحبّائه.

مع هذا المرض الإنسان لا يتقدم بل يتراجع فيه كل شيء، إن كان هناك من تقدم، فهو التقدم نحو الموت.

شعور مريع أن تعرف أن أيامك معدودة.

تايلر وهي مريضة

جسد المريض بالسرطان جسد محتضر. جسد واهن للغاية.

المريض به طفل صغير لا يستطيع الاعتناء بنفسه (أنا أشبه الطفل الرضيع الآن بالاعتماد التام على الآخرين).

تكتب تايلر لكي لا تشعر أنها وحيدة في هذا العالم، إنها تكتب من أجل أن تقبض على اللحظة الحاسمة (الأصوات) لقد كان من الممتع عندها اكتشافها للكتابة وهي طفلة في المدرسة، تقول: لقد قبضت على الكلمات من الأفواه بالكتابة، وهي قبضت علينا بالمتعة في كتابها.

الكتاب مقسم إلى ثلاثة أقسام (القسم الأول: قدمان باردتان، والقسم الثاني غبار ورماد، والقسم الثالث نهايات وبدايات).

القسم الأول هو مدخل رائع إلى حياة الكاتبة، وكُتب بصدق وشاعرية عالية، وهذا الفصل هو الذي جعلني أتمسك بها وأراهن عليه؛ لأن في القسم الثاني خف الوهج قليلا، ودخلنا في تفاصيل عائلية لا طال منها.

عادت الشاعرية في القسم الثالث من أجل أن تبهرنا بقلمها السيّال وبصراحتها المعتادة، وكانت آخر ثلاث صفحات حزينة بشكل يدعو للبكاء.

هذا الكتاب من الكتب التي تغيّر في داخل القارئ الكثير، إن الإنسان بعد قراءة هذا الكتاب سيكون إنسانا آخرا، إنه عتبة إلى مشاعر لن يكتشفها إلا بقراءته.

سيكون من المحزن جدا أني لا أستطيع قراءة كتاب آخر للمؤلفة.

الكتاب من القطع المتوسط يقع في 205 صفحة، من إصدارات دا أدب للنشر والتوزيع، الصادر في عام 2021م.


    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *