6نوفمبر

الأصدقاء مراحل

اشتكيت لصديقي مشعل من تغيّر الأصدقاء، والتقلّب السريع في مودة الرجال

فقال لي: لابد أن تؤمن أن الأصدقاء مراحل.

مشكلتي أني لست مؤمنا أنهم مراحل، رغم أنهم خلّفوني وحيدا..

وأتساءل دائما: لماذا؟

هناك سبب جديد يضاف في قائمة أسباب إنهاء العلاقات في هذا الزمن، وهو: لا شيء، لا يوجد سبب، العدمية.

إن العلاقات في عصرنا الحاضر هشة لدرجة أنه ينهيها اللاشيء، أو ينهيها الزواج، أو العمل، أو أ شيء سبب تافه آخر.

هناك دعوة فردانية منتشرة بشكل كبير في أروقة مواقع التواصل.

إنها موجة تدعو الفرد للعزلة، والتخلي عن الناس، وتعظيم الانفراد والتقليل من شأن مخالطة الناس؛ ولهذا نشأ لدينا جيل عاكف على الأجهزة الإلكترونية، فقير في مهارات التواصل الإنساني.

لقد تأثرت جميع العلاقات الإنسانية بهذه الدعوة بدءا من الأسرة، ومرورا بالصداقة.

إن الأشخاص الذين يكونوا “مراحل” في حياتنا ليسوا أصدقاء؛ إنهم معارف؛ ولكننا أخطأنا في تصنيفهم منذ البداية.

لا أستطيع التخيّل أن أكون محطة انتظار لأشخاص آخرين.

إذا وافقت -اعتباطا- على مبدأ “مرحلية الأصدقاء” إذن أنا محطة.

يؤسفني أن أتحوّل من إنسان إلى محطة!!

المشكلة أن الواقع يفرض عليك تحولات كثيرة في حياتك، كأن تكون محطة عبور مثلا!!

قال أحمد خالد توفيق: “كل ما أريده هو شخصٌ يبقى كما كان، ولا يفاجئني يوماً بأنه روح أخرى لم أعرفها”.

إنهم يتحوّلون سريعا يا أحمد، أسرع مما تتخيل.

يقولون أن الأصدقاء ملائكة ترفعنا حينما تعجز أجنحتنا على تذكّر كيفية التحليق؛ لكن أصدقائنا الحالييّن سحقونا، وعلمونا كيف نحبي ونمشي على أربع.

لقد أقنعونا بعدم وجود السماء، فقط أخبرونا عن الخنادق..

قال لي مشعل: هل تؤمن بوجود الأصدقاء؟

وإلى الآن لم أجيب.

يبدو أني سأنحني وأقبل -مكرها- بأنهم مراحل بكل أسف.

هناك علاقات تحمل “أهداف” مشتركة لوقت معين، وحينما تتحقق هذه الأهداف، أو تغيب، تذوب هذه العلاقة.

إن الأشخاص حاليا يرحلون مخلّفين ورائهم كمية كبيرة من: (لماذا؟).

الحقيقة أن المودة تتغير؛ ولكنها لا تنتهي، انتقلت من طور إلى طور، كاستجابة طبيعية لمتطلبات الكون.

لقد احترم “أندريه مالرو” الشجاعة الفائقة عند الإنسان، الكائن الحي الوحيد الذي يعرف أنه سيموت، ثمّ يظلّ يضع مشاريع للحياة!

الأصدقاء هم مشاريعنا للحياة، ومصيبة إن كانت هذه المشاريع فاشلة.

الإنسان بنيان، لعن الله من هدمه.

الذين يرحلون بدون سبب: يهدومننا يا مشعل.

 

تم نشر المقالة في العدد الثامن والسبعين من مجلة فرقد:

الأصدقاء مراحل

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    2 تعليقان

    1. تدوينة رائعة يا حاتم، اكاد اتفق معك في اغلبها و لكن علي ان اقول ان قراري الاخير هو ان اتفق مع صديقك، فعلا الاصدقاء مراحل و هذا ليس بالضرورة يلغي الحب و المودة و الذكريات الجميلة، و لكن هناك خانات محدودة في حياتك و علاقاتك و من حقك ان تبدل من يشغل هذه الخانات متى شئت و بحسب ظروف حياتك. الأهم هو ان تبقى العشرة الجميلة موجودة و ليس من الضروري ان تفرد لهذه العشرة و المودة وقت مستقطع من اسبوعك بشكل دوري 🙂

      • أهلا سيدة بثينة، السيدة التي حذفوا حرفها الأخير في حفظية النفوس (:

        وأنا أيضا بكل مضض أتفق معكما..

        الدنيا للأسف تجبرنا على هذا..

        سعيد جدا فيك وفي تعليقك، وفي قراءتك للمقال..

        خالص التحيات لك..

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *