12يناير

هكذا تكلّم القارئ

رسالة إلى المؤلف:
بين يديَّ كتابك (هكذا تكلَّم القارئ)..

بداية من إهدائكَ الجميل وحتى سيرتك الذاتية في النهاية، أجد أن ما بينهما كوميديا سوداء حارة، وسخرية لاذعة على واقعنا الأدبي الحديث.

سأنطلق من (التواضع المعرفي) وأقول لك أن الكتاب حزّ المفصل وأصاب المكدم في تفنيده لقضايا النقد، وربما نتفق أنا وأنت من أجل أن كلانا غير أكاديمي في النقد.

وقولك أن (النقد الافتراضي) ليس لفظا أكاديميا، يوجد كثير من الألفاظ غير الأكاديمية الصحيحة مثل الأدب التفاعلي، التلوث الرقمي، وإدمان الإنترنت وغيرها الكثير.

في الصفحة السادسة عشر ذكرتَ أوصافا للنقاد على لسان مثقفين كبار وكأنك بهذا تلمزهم ولكن الذنب على القائل، وهذه مخادعة جميلة تشفي الغليل وتبرد الصدور.

وفي (النقد الارستقراطي) ذكّرتني بمقال للأستاذة منى الدهيش الذي كتبته عام 1421هـ  سمّته (الحيزبون والدردبيس في لغة النقد الحديث) ومما جاء فيه:

(وانظر واحدهم إذ يقول محللاً قصيدة عربية الوجه واللسان: نموذج يتوتر وينشحن ويولد تبئيراته ويصنع عوالمه عند نقط الانقلاب الحرجة، وعند التمفصلات الانكسارية حين الاشياء بين بين وهي في الآن نفسه لا  هذا ولا ذك، إنه البرزخ والمنزلة المتلبسة والتوارد المختلط والشقي بالحد وهو لحظة صبح الليل.

فما التمفصلات الانكسارية؟! وكيف يكون الشيء بين  بين وهو في الآن نفسه لا هذا ولا ذاك؟ ولمَ لم يكن على الأقل لا هنا ولا هناك؟ وما صبح الليل؟ وأي ميزان سمح له ب(التمفصلات) و(تبئيراته)؟!

إليك قولَ آخر: أردت أن ألقي الضوء على ما يتراءى في حركة المتن اللغوي من الأشياء إلى المفاهيم أو العكس، لتتم الوقفة التي تتقرأ علائق الأشياء، وتبطن شيئاً من الوعي الشعري الذي يحدث عند اجتراح الكلمة لصمت  الأشياء، فننظر إلى الصلة بين الوعي الإنساني والأشياء وما حوله من أشياء.

 أي طلاسم تلك؟ ماذا ترك للسحرة والشياطين وصنّاع  الألغاز والألاعيب البهلوانية؟)

وأنا أتفق معك في أن هناك جرائم أدبية يرتكبها النقاد باسم النقد لاسيما مع من يُبدع مرة واحدة ثم (يمارس  استبداده الأدبي وإلى الأبد).

مما أعجبني كثيرا هو اطلاعك الواسع وقراءاتك المتعددة، ولا أدل على ذلك من استشهاداتك الكثيرة  بالأعلام كممدوح عدوان وصادق جلال العظم وغازي القصيبي والسمان وصموئيل شمعون وماركس  والرافعي والغذامي وإيزابيل ألليندي وغيرهم الكثير.

حينما وقعتُ على (حمار النثر) وتقصد به القصة القصيرة، تمنيتُ ألا أكون نشرت مجموعتي القصصية (قصعوان) وهي أول مجموعة قصصية أكتبها؛ لأني تخيلتها من ضمن الحمير النثرية.

وأخالفك الرأي في كوني (دودة كتب) ولا أسمح لك بإطلاق هذا النعت عليَّ (دودة كتب بالفطرة) كوني لا أعير كتبي، فقد كنتُ أعيرها؛ ولكن الكتب المعارة  اشتريت لها نسخا أخرى؛ لأنها –وبقدرة قادر- إلى الآن وهي معارة.

وأيضا أقول لك إذا كان حبل كذبك طويلا؛ فإن حبل كذبي قصيرٌ جدا –ولله الحمد- كقصر الليل في الشتاء. وإني أتفق مع مونتين فيما ذهب إليه، فلم أعد أرهق نفسي في إقناعها بأن هذا الكتاب مميز كالأفلام تماما؛فالفيلم الذي لا يعجبني بعد 10 دقائق من مشاهدته  أقفله تماما وأرمي به في سلة النسيان إلى أبد الأبدين، وكذلك الكتاب العسر الذي عسر عليَّ فهمه فإنه يجلس بجانب الفيلم في نفس السلة، دون أي تأنيب للضمير أو عتاب على صاحب الكتاب، فلقد وصلت إلى مرحلة من السلام الداخلي والهدوء العقلي بأن أقول وبكل صراحة بأن هذا الكتاب لا يناسبني، وربما كُتب لغيري والسلام.

بالمناسبة أملك أمّا كأم الشاعر الداغستاني، فمرة حدثتها أن من عادة البحتري أنه لا يودّع أحبابه قبل السفر خشية الحزن وأنا مستنُّ بسنّته، فقالت: (خل البحتري وتعال أودعك).

أصدقك القول يا أستاذ أني كصديقك تماما لم اقرأ الروايات الكلاسيكية؛ بل قد أكون متطرفا لو قلت بأني أكره الروايات ولكن كيلا أغضب جمعا من الناس فأقول إني لا أحب الرواية ولا أكرهها، أقف في المنتصف، في منتصف المدينة في منتصف اللاشعور لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، ووقوفي في المنتصف يحرمني وبكل أسف من الانخراط معكم في نادي الأدب النوبلي والروسي.

اسمح لي بأن أخالفك فيما ذكرته في آخر ثمانية أسطر من الكتاب حينما ذكرت أن دور النشر ارتكبت جريمة لإصدارها كتبا لنجوم معينة سمَّيتهم؛ وأقول إن هذه وصاية لا أقبلها وهي نفس الوصاية القديمة وصكوك الغفران التي كانت توهب من قبل النقاد الأكاديميين.

دع الفارغ يؤلف كتابا لكي نعرف أنه فارغ كعقله تماما، دعنا نرى عقله في طبق: أليس الجاحظ يقول المرء في فسحة من أمره ما لم يقل شعرا أو يؤلف كتابا، ومن ألَّف فقد عرض عقله للناس على طبق، دعنا نرى عقول الفارغين على أطباق تسير بين الناس ليثبت لهم بالدليل القاطع أنهم فارغين، وأن شهرتهم ليست إلا فقاعة صابون.

ومما أجده على كتابك أستاذي الكريم هو نقدك اللاذع حد السخرية في بعض المواطن، وأيضا الحدة الشديدة.

أشعر أنك كتبت بعض الفصول وأنتَ مأزوم من قضية معينة أو من حدث بعينه فأخرج لنا حرفا ساخنا إلى الآن وكأنه حِمم بركانية.

بعض الأسطر أشعر أنك كتبتها وأنت تصرخ وأوداجك كانت منتفخة على الورق لكي تقنعنا بأن ذلك الكاتب الذي رفض نعته بالقارئ أنه كلب وأيضا مع تحديد الفصيلة (دوبرمان)، وهذا أجده وصفا لا يليق، بل يتعدى حدود اللباقة الأدبية.

أجد لديك نفس الحدة والصرامة والقوة التي عند هنري  ميلر في كتابه (الكتب في حياتي)، ولكن تتفوق عليه في الحس الساخر العربي المعروف لدينا.

في النهاية:

الكتاب كان أجمل إطلالة على قلمك وعلى روحك الناقدة الجميلة التي بين جنبيّك.
نلتقي قريبا بإذن الله: الجنة ربما.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *