7ديسمبر

جمع الشتات

كتابي السادس جمع الشتات الذي جمعتُ فيه أشتات المعاني ونقائضها فتارة أنقض الشعر بالنثر وأحيانا العكس وفي مراتٍ كثيرة أنقض المعنى بالمعنى وهكذا.

وقد تولت نقده الأستاذة خلود الدوسري فقالت: إن أول ما يتبادر إلى ذهنك أثناء قراءة كتاب حاتم الشهري هو عنوان الكتاب ( جمع الشتات) ففي المعجم الوسيط : جمع: قام بعملية الجمع أي أضاف بعضها على بعض للحصول على مجملها.

الشتات: التفرق وأمر شتات أي متفرق.

فعمد من خلال ما يتصف به من غزارة في الثقافة والعلم في فنون الأدب شعرًا ونثرًا إلى جمع شتات المتفرق من المعاني، وقد ذكر في مقدمته أن المغزى من تأليفه للكتاب (أن أجمع شتات المعاني التي تمر بي من شعر أو نثر)، وأوضح أنه التزم في كتابه هذا بتخصيص صفحة واحدة فقط لكل معنى (وألزمت نفسي ألا يزيد كل معنى على صفحة واحدة إلا فيما ندر).

وزعم حاتم الشهري بأن كتابه يتسم بالطرافة فيقول: (لا أزعم أني أتيت بجديد لكنني متأكد أنه طريف ظريف، خفيف المحمل، رفيع القدر).

كما أفصح في مقدمته أن الرابطة بين المعاني التي يجمع شتاتها من شعر ونثر قد تكون قوية أو واهية أو ضعيفة (وكثيرًا ما تكون الرابطة قوية، وأحيانًا واهية، ونادرًا ما تكون ضعيفة).

ويلفت نظر القارئ لهذا الكتاب إهداء المؤلف إذا جمع فيه شتات جيلين مختلفين جيل جده وجيل صديقه وقد يكون الجامع بينهما الشهامة والرجولة وحب المؤلف لهما.

ونرى في ثنايا الكتاب الجمع بين شتات المعاني في صور عدة: # جمع الشعر بالشعر/ففي تصريف الفؤاد وتقلباته قول القائل:

ولكل قلب هجرة…والله يعلم ما نوى

يجمعه بقول ابن سناء الملك:

وعهدت قلبي جسر معبرةٍ…لكن ذلك الجسر منكسرُ

#جمع النثر بالنثر/ في تداعي الحزن قال الرافعي:” المرء إذا حزن استدعى كل أحزانه السابقة كأن حزنًا واحدًا لا يكفيه” يجمعه بمعنى قول رضوى عاشور في ثلاثيتها:” وكأن همًا واحدًا لا يكفي، أو كأن الهموم يستأنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس ألا معًا”.

# جمع النثر بالشعر/ في الخوف من الحب قال جان كوكتو:” تقول بأنك تحب الأزهار ثم تقطفها، …تقول بأنك تحبني وحينها أخاف” يجمع معناه بقول الشاعر:

سأدفن حبي وأغلق قلبي…أخاف عليك لظى الأمنيات

ومنه ما ورد في الرتيمة وهي الخيط يشد في الإصبع يستذكر به الحاجة حيث يقول المثل الشعبي:” اربط غترتك” لتذكر الحاجة فلا تنسى يجمع معناه بقول الشاعر:

إذا لم تكن حاجتنا في نفوسكم…فليس بمغني عنك شد الرتائم

# جمع الشعر بالنثر/ فعن زوار القلب قال الشاعر محمد المقرن:

كانوا هنا في حنايا القلب منزلهم….واليوم هم عند الباب زوار

يجمع معناه بقول نبال قندس:” حتى الأحزان الجديدة صارت تقف في الباب، تخشى الاقتراب”

#نقض الشعر بالشعر في المعنى فقط خلاف المعهود في النقائض من حيث الاهتمام بنقض المعنى مع الالتزام بالوزن والقافية فذكر في معنى كل شيء بالداخل بيت إيليا أبو ماضي :

هجروا الكلام إلى الدموع لأنهم…وجدوا البلاغة كلها في الأدمعِ

وينقض معناه بذكر بيت لإيهاب البشيشي:

لو كان صمتي بليغًا لاعتصمت به…لكن صمتي كنطقي لست أعربه

والمتصفح لكتاب الشهري تبهره سعة اطلاعه ومن ذلك ما ورد في ص٢٥ من معرفته بأن بيت الرصافي:

وما والله هجرك باختياري…ولكن هكذا جرت الخطوب

مأخوذ معناه برمته من بيت شمس الدين الكوفي

والله ما اخترت الفراق وإنما…حكمت علي بذلك الأيام

بل تقف مندهشًا من غزارة حفظه فيما يحدث عن نفسه في ص ٢١ بأن أحدهم حز في نفسه أنه مر عليه بيت في الوصف ساحر وانشغل عن تقييده بالقلم، فقال له المؤلف لعلك تقصد قول الأول:

إذا سمح الزمان بميّ ضنت…وأن سمحت يضن بها الزمانُ

قال نعم!!!

ومن أمثلة تمكنه من الاطلاع والحفظ إصراره على صحة بيت شعري استشهد به في إحدى خواطره:

وليس ينال المجد من كان همه…طروق الأغاني واعتناق الحبائب

اتهم فيه بعدم صحة البيت لأن كلمة حبيب لا تجمع على حبائب فأسكتهم

مستشهدًا بأن البيت ورد كما ذكره في ديوان ابن المقرب، بل أيضا ذكر

هذه المفردة البارودي في بيته:

وما زاد ماء النيل إلا لأنني…وقفت به أبكي فراق الحبائب.

وتتضح لنا قدرة المؤلف الشعرية جلية في دور الأسئلة ص٢٠ حيث يجمع بين المقولة النثرية” يمكن لو نشوف بعض تموت الأسئلة بالدور” بأبيات شعرية بديعة من نظمه فيقول:

الشوق يجدف بالحنين ليسأله

هل ضاعت الأسماء خلف الأخيلة؟

روح يقوضها الشتات كأنها

أيدي المكارم حين تأبى المسألة

أفنيت عمري في تطلب وصلهم

ماضرهم في الوصل قيد الأنملة

شوقي قديم في محبتهم وهم

كل المشاعر في السلال المهملة

ياليت شعري هل يعودوا ربما

عند اللقاء يموت دور الأسئلة

وكذلك في حديثه عن طيف الحب إذ جمع بين قول فرانز كافكا:”كانت كتاباتي تدور حولك، والحق كنت أشكو فيها ماكنت لا أستطيع أن أشكوه على صدرك” وقوله:

قد كنت أكتب أشعاري لتسمعها…فالشعر دام وطيف الحب لم يدم ويؤخذ على الكاتب ضآلة المادة العلمية مقارنة بمخزونه الأدبي إذ كان بمقدوره أن تكون أضخم من ذلك ولعل عذره الرغبة بأن يقدم مادة خفيفة طريفة! كما ورد في ص٣٥ كلمة (الغير) وهذا خطأ فغير موغلة في النكرة لا تعرف.

وفي ص٢٣ ذكر في عجز البيت الأول كلمة (حبيب) والصحيح (الحبائب)، كما في ديوان ابن المقرب.

وقبيل ختام كتابه تمنى لأحدهم ألا يسجن في كتابه، ولقد سُجنتُ في ثناياه لليال مضت فكانت هذه القراءة.

واختتم كتابه بالتنزه عن صغار القوم ومشاكساتهم فيقول:

عذرت البزل إذ هي قارعتني…فما شأني وشأن بني اللبونِ

وهذا البيت محاكاة لبيت الشاعر سحيم بن وثيل عذرت البزل إذ هي خاطرتني فما بالي وبال ابني لبون.

صدر الكتاب في ٥٧ صفحة  من القطع المتوسط، صادر عن دار تفاصيل الكلم للنشر والتوزيع.

————————————————————–


  قرأت الكتاب الذي ألفه حاتـم الشهري، وكان كتابًا لطيفًا عنونـه بجمع الشتات، ولاحظت نقاطًا فيه سأذكرها تباعًا. 
  أولاً: يوجد ارتباط وثيق بين ما يقدم كمعلومة أو شاهد مع ما يريده المؤلف من ابراز قُبس خفيفة الظل على القارئ حيثُ يفيد منها بأقل الجهد، مع وجود المعنـى السامق في آن.
  ثانيًا: ترتيب العناوين يدل على الشتات، وهو مطابق لعنوان الكِتاب جملةً وتفصيــلا. 
  ثالثًا: يوجد هناك تنوع في الأسلوب بين الشواهـد، والفجائيـة التي لوحظت عند المؤلف مثل : “ماذا لو كان العنكبوت الذي قتلته في غرفتك يظن طوال حياته أنك رفيـقه بالسكن ؟!” . مما يدل على أن للكاتب أسلوبًا يبعد الرتابة والملل للقارئ.
  رابعًا: تنوع المقتبسات من العرب، والأعاجم، ومن الحديث ومن القديم، ومن النثر ومن القصيدة، وذلك يدل على سعة الاطلاع، وذوقيـة المؤلف، ويدل على احكام الحبكة الفنيـة للنصوص التي تصبُ في عنوان المؤّلفْ. 
  خامسًا: صوت المؤلف الشخصي خافت في هذا الكتاب، مما يدل على أن الأديب حاتم الشهري لا يسلك منهجًا ذاتيًا في الكتابة، وإنما نازعة إلى “الثقافيـة” التي تبدو ظاهرةً في تذكرهِ عبارات وشواهد مميزة في الكِتاب وكأنما لغته حلقة وصل بين القارئ وبين هذه الشذرات المتناثرة التي تنتظم في عقد الشتات، فيظهر جليًا لنا مكنة الكاتب من أسلوبه الذي قل اتباعه في الكُتّاب الحاليين.

أرى في كتب الأستاذ حاتم هذا النزوع القوي نحو المعلومة وكأنما له مشروعه التثقيقي الخاص الذي أسميه المشروع الحاتمي الثقافي وهو أمر رائق وجميل، بالتوفيق للأستاذ في كتبه، ومنهجه.

هيثم البرغش
*كما يمكن طلب الكتاب ومعرفة أماكن توفره سواء على حسب المدينة أو على حسب الفرع من مكتبة جرير من خلال هذا الرابط:

 

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *