23سبتمبر

الشكل الدائري

#إذا أجلت النظر حولك وجدتَ أن الشمس دائرية والكوكب دائري وفقاعة الصابون دائرية ومقود السيارة دائري وحتى لو عصبتَ عينيك ومشيتَ في طريقٍ مستقيم ستجد أنك تمشي في دوائر لا نهاية لها، وستعود حتما لنقطة البداية، فما السر في هذا الشكل وهل تحدث هذه الأمور مصادفة أم هناك سرا يكمن خلف هذا الشكل؟
بالنسبة للكوكب فالأمر يتعلق بالجاذبة وبمركز الطاقة المُكون للكوكب، وأما بالنسبة للفقاعات فالسبب الرئيس لتشكيل الدائرة هو انجذاب العناصر المكوّنة للماء لبعضها البعض كما أن المنافسة بين الهواء خارج الفقاعة وداخلها إن صح التعبير يساهم في تشكيل الشكل الدائري.
الشكل الدائري هو الشكل الأكثر قدرة على مقاومة الضغط من جميع الجهات. حتى الأمر يرجع دائريا في المراتب العلمية للمحاضرين في الجامعات فإنه يبدأ محاضرا ثم دكتورا ثم أستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً مشاركاً ثم يصبح أستاذا دكتوراً ولكن في المناداة يقولون له أستاذ، فكأنه عاد مرة أخرى للأستاذ كما بدأ أول مرة.
كما قيل:

أصبحتُ أستاذاً فزدتُ جهالة
فلقد فقدتُ تواضع التلميذِ

والدائرة حاضرة في أشياء كثيرة في الحياة كالقياس فإن الدائرة هي رمزٌ لقياس درجة الحرارة، وموجودة في اللغات؛ فالدائرة في العربية ترمز إلى أن الحرف ساكن، وكذلك يتم استخدام الدائرة في لغات أخرى كالسويدية واليابانية واللاتينية وغيرها.
والدائرة موجودة حتى في أعلام الدول كالصين والهند والبرازيل وغيرها، حتى أن شعار الألعاب الأولمبية عبارة عن خمس دوائر أو خمس حلقات متشابكة مختلفة الألوان ترمز كل واحدة منها إلى واحدة من القارات. والدائرة لها عمق لغوي وفلسفي وتشكيلي بل إن بعضهم قال أن اخوان الصفا كانوا يعتبرون الدائرة أشرف الأشكال. والدائرة حاضرة في علم النفس فهناك أنماطٌ للشخصية كالمثلث والمربع والدائري.
فالشخصية الدائرية تمتاز بالالتزام والدعم والرعاية والكرم والثقة أيضا. وهناك دائرة اسمها دائرة السلوك وهي مجموعة الحركات الانعكاسية والإرادية للإنسان أو الحيوان الذي يحاول التوصل إلى نتيجة ما ولا يكف عن ذلك حتى حصوله على هذه النتيجة إلا إذا حدث انقطاع بسبب الموت، أو حادثة، أو تدخل دائرة جديدة للسلوك، وأوضح مثال على هذه الدائرة: الجوع، فإن الإنسان أو الحيوان لن يتوقف عن هذا الإحساس ما لم يأكل وهنا تنتهي هذه الدائرة.
وهناك دوّار اسميته دوار المعرفة فمن يقرأ يحاول أن يبتعد عن نقطة الجهل لا أن يصل إلى نقطة العلم؛ لأن باعتقادي إن أن من يبتعد عن نقطة الجهل يدخل في دوّار يدور به قليلا حتى يعيده إلى نقطة الجهل مرة أخرى، والفلاسفة يؤيدون هذا المنحى حينما قالوا أن الناس يصبحون أغبياء مع الوقت لأنهم يكملون حصار أنفسهم بأنفسهم.
ربما حقا يكون الشكل الدائري أشرف الأشكال.

تم نشر المقالة في العدد السابع والثلاثين من مجلة فرقد:

https://fargad.sa/?p=19668

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *