2أغسطس

هزائم الحياة

في زمن انعدام الوفاء وقلة المروءة واحتفالات الطلاق تأتي نسمة لطيفة وحارة جدا قادمة من تونس الخضراء.

لفتة تخبرنا أن الماديات لم تأخذ كل مشاعرنا، وأن الشاعرية باقية تدفق عبر أثيرنا الروحي.

(لقد هزمتنا الحياة) هكذا قالت الشاعرة التونسية لمياء المقدم من رسالة قصيرة معلنة انفصالها عن زوجها في قالبٍ مبكي مليء بالمشاعر المرهفة.

تقول في الرسالة:

(أصدقائي الأعزاء، بألم بالغ أعلن خبر انفصالي عن زوجي وحبيبي وصديقي

الشاعر والصحفي المصري ياسر الزيات.

لقد هزمتنا الحياة.

رغم الحب، ورغم الشعر والشغف والجنون الذي لو وزعوا على العالم لكفوه.

انهارت مقاومتنا بعد ست سنوات من الصبر والثبات الذين واجهنا بهما ظروف وضغوطات وإكراهات لم يكن لبشر أن يتحملها، ولو سلطت على جبل لتهاوى لها.

لكن حبنا الكبير، حبنا الصادق الحر استطاع أن يصمد كل هذه السنوات وأن يعيش عمره القصير بسعادة وفرح بالغين مشوبين بالكثير من الألم والمعاناة.

والآن…

الآن يرغب المحبان الشجاعان أن يرتاحا من تعب المسافة وكدماتها وخساراتها.

سيذهب كل شيء ويبقى الحب.

أقول لكم بصدق: عاش الحب فلولاه ما عرفنا معنى الحياة ولمسنا أعماقها.

ادعوا لنا).

لقد دهشت من حرارة الرسالة ولا أدري هل هي رسالة انفصال أم رسالة حب، وإذا كان الموضوع كما تقول  فلماذا الانفصال؟

لقد جاءت اعتراضات على فحوى الرسالة من قبيل:

1-من يحب يصبر.

2-الحب الحقيقي لا يهزمه شيء.

3-كل هذا الحب إلى الرمق الأخير، فلماذا الرحيل؟

لقد قلتُ في مقالة سابقة أن من وجوه الحب: الرحيل.

بعض الود يُصان بالبُعد، وفي بعض العلاقات لسلامتها وديمومتها يجب أن تفلت يديك.

قالت ليف أولمن حينما قررت الانفصال عن زوجها:

(جلسنا متشابكي الأيدي في مكتب مستشار الزواج فسألنا لماذا نرغب في الانفصال ما دمنا صديقين حميمين؟ أجبنا بمرح: لهذا السبب بالذات).

أنا لا أدعو للانفصال ولا أقدسه؛ بيد أن في بعض الحالات كحالة الشاعرة لمياء يكون الانفصال هو الحل.

الرسالة مؤدبة وشاعرية جدا، والشاعرة لم ترد أن تنشر غسيلهما على الملأ بل اكتفت بقول (هزمتنا الحياة) وضع ما شئت من خطوط تحت هاتين الكلمتين.

إنها لمّاحة والفطين يفهم ما خلف هذه العبارة.

لا يجب أن نغوص بين السطور بحثا عن هذه الهزيمة أو الهزائم، يكفي أن نعرف أن كل واحد منهما ذهب في حال سبيله.

لا أؤيد الانفصال أبدا ولم أؤيده في يوما ما، وأنا مع  الاتصال والالتحام قدر الإمكان؛ لأن هذا هو ناموس الكون، وفطرة الله.

البقاء ليس دليل حب، الرحيل أحيانا هو أعظم مظاهر الحب؛ لأن الحب له وجوه كثيرة منها: الرحيل.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *