31مارس

بين رمشه وعينه

منذ زمنٍ ليس بالقريب رميت القبعة وخرجت من المطبخ وذهبت انتظر ما يجودون به الذين تركتهم خلفي. لقد كانت المقاعد يشغلها الفراغ، وتسمع دوي السكون يلف المكان.

القليل من كان يجلس معي على مقاعد الانتظار، والأغلب يلبس المريلة ويذهب ليشارك في الطبخة.

تعجبت من هذه الأعداد الهائلة التي تريد أن تصبح شيفا.

وصار الأكل أكثر من عدد الآكلين.

طبخة ماذا؟ طبخة الشعر، طبخة الرواية، طبخة القصص القصيرة، لا أدري لماذا أنصاف الكُتّاب يحشرون أنفسهم ليشاركوا الطباخين العظام هذه الطبخات؟ لماذا لا يجربون دور المتذوق؟ لماذا لا ينضمّون إلى قبيلة القراء العريقة؟ لماذا لا يتعلمون فن الإصغاء بدلا من فن الثرثرة الذي يملؤون به الكتب؟

لماذا لا يصمتون كما صمت الدكتور أيمن المعداوي وكان صمته أكبر كتاب ألفه في حياته، وكأنه بهذا الصمت يعلن أن لا شيء في الساحة يستحق الكلام والنقد وقال هو عن نفسه: أنه عاهد نفسه طوال عمره أن يحترم ضميره أكثر مما يحترم الشهرة والمجد والتصفيق والتكالب على المادة؛ حتى أنه يعتبر صمته لونٌ من إبداء الرأي، وهذا والله صمتٌ أبلغ من كلام، وأجود من حديث.

أحد الأشخاص المزيفين كان يلبس مريلة الشعر، وكان  يقول كلاما في أحد اللقاءات وهو يظن أنه شعراً، وهو والله ليس بشعرٍ ولا نثرٍ وإنما هو أشياء مرتبطة ببعضها البعض حتى لا أظنها حروفا، وكان يُحدّث في هذه الأشياء أنه ضيّع حبيبته، ثم اكتشف أخيرا أنها بين رمشه وبين عينه، ولكنه كان يشير على خده!!

فكان التعليق الذي نسف كل هذه الأشياء التي تخرج من فمه: أنتَ لا تعلم أين رمشك وعينك فمن الطبيعي أن تضيّع حبيبتك! ولا أدري الحقيقة لماذا هذا الشخص الكريم لا يرضى بدور المستمع، ويجلس على كرسي المتفرجين، ويستمتع بما يبدعه العظماء من الشعراء، عوضا من احراج نفسه، واخراجها بمنظر لا يرضاه العدو فضلا عن الصديق، أو على الأقل إذا كانت نفسه الأمارة بالسوء تدفعه لأن يكون من ضمن لابسي المرايل الشعرية فعليه أن يعرف أماكن الحواس أولا قبل أن يدخل في غمار الحب.

الشعر مغري، وهو ديوان العرب كما هو معلوم؛ لكنه من أشد الفنون صعوبة بسبب كثرة الشعراء، وكثرة المتميزين منهم، فتميزك في مجال الشعر صعبٌ جدا، وأمامك في المشهد الشعري كظيظ من الزحام، ومن المبدعين، فأنّى لك أن تبدع وأنت لا تعرف مكان عينك يا أيها الشيء؟!

 

نشر في مجلة فرقد الإبداعية التابعة للنادي الأدبي بالطائف العدد السابع والعشرين:
https://fargad.sa/?p=13732

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    2 تعليقان

    1. السبيعية العنود

      قرع مؤلم !
      من قلب غيور
      كيف لا وأنت من سلالة الأدب .

    2. هناك من يقال انهم كتاب
      لو تكرموا بالورق بدلاً من نثر الحبر عليه
      لورقة تلف بها الساندوش كأن أفضل

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *