26يناير

أمانة الغُيّاب

قرأتُ كثيرا جدا خلال تطوافي في الكتب نصوصا تحط من قدر المرأة وتتهم عقلها، ودينها، وأمانتها؛ وكأنها مخلوقة من مادة غير مادة الرجل، ليُلصقون بها هذه التهم، ومنها قول الصقلي في سلوان المُطاع:
(المرأة مؤهلةٌ لبيتٍ تقمُّه، وطعامٍ ترمُّهُ، وولدٍ تُربُّه، ومنزلٍ تدبره، وشبقٍ تسكّنه وتثيره، فمن أشركها في أمره، وأطلعها على سره، فقد التحق بعالمها، إذ ليس في قواها الالتحاق بعالمه)، فلقد اختزل المرأة في خدمة البيت، وأكلها للطعام، وتربية الولد، وأن تكون ملهاة للشهوة ومُسكّنة له، ولا أدري لماذا محقق الكتاب لم يُعلّق على هذه الفقرة الدنيئة ويُبيّن عوراها، ويهتك أستارها، وينقضها بالكلية؟
والسقاف يقول في العود الهندي عن عفة النساء:
لا يمكن للإنسان أن يكلهنّ إلى ما يثق به فيهنّ من ذلك؛ فإن البعيد يقرب بالاحتيال، والعُصم تسهل بالاستنزال، (العصم: الغزال)، وقد قال بعضهم:

عُسر النساء إلى مياسرةٍ
والصعب يسهل بعدما جمحا

فهذا إعلانٌ صريح بأن النساء غير مؤهلات للعفة ولا للثقة، وأنهنّ عرضة للاستنزال، والاحتيال، وإني أمسك رأسي بعشري كيف يخرج هذا من إمامٍ جليلٍ كالسقاف؟
وقبلهما قد قال عمر ابن أبي ربيعة:
(وقلَّما، ترعى النساء أمانة الغُيّابِ)، كيف يسمح لنفسه هذا الشاعر الماجن أن يقول مثل هذا، وهو الذي كان يشبب بالنساء في مواسم الحج، وإن كان فعلا قد وقع له مثل هذا؛ فالمعروف عنه أنه مشرك في الحب لا موحد، وقصائده تشهد بأنه عشق أكثر من امرأة، فالله يعلم من الذي لا يرعى أمانة الغياب يا فتى قريش.
والأمثلة تطول، والشواهد كثيرة على الاستنقاص من قدر النساء، والنيل منهنّ، والتعدي عليهن في التراث العربي، ولديَّ شواهد كثيرة جدا في الأدب الغربي على نفس المنوال، بل أشد همجية، وأقذع في العبارة؛ ومن أجل هذا وغيره فإني لا أتعجب إطلاقا من الظلم للمرأة العربية في ظل نصوص تراثية مبثوثة في الكتب، تعزز إلى هذا المفهوم حتى انتشر هذا الوباء إلى كثيرٍ من المثقفين والقراء، ولا أستغرب أبدا العنف الجائر عليها في بلداننا من ضرب لها، وتقليص أحلامها، والتحكم في مستقبلها، بل والحجر عليها؛ لأن كثير من العنف لدينا انتقل
بالوراثة.
المرأة ليست بحاجة إلى كثير كلام، إنها بحاجة إلى إعطائها الحرية لكي تعبر عن نفسها، وقبل الحرية إعطائها حقوقها كاملة.
المرأة السعودية خطت خطوات عظيمة في هذا الجانب، ونأمل من المرأة العربية أن تواصل حتى تلحق بركب المرأة السعودية.
وإني آمل أن ينبري أحدهم برسالة ماجستير أو دكتوراة ليدرس هذه المشكلة ويقدم لنا توصيات في نهاية الرسالة من أجل محو هذه الآثار السقيمة في الكتب السالفة.

(خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله) رواه الترمذي.

    شارك التدوينة !

    عن Hatem Ali

    2 تعليقان

    1. هو غياب وعي الرجال او لربما لانهم يعرفون بعضهم لا يقف امام رغباتهم شيء ولو كلفهم الكثير ظنين لا شيء يعيبهم
      مهم فعلوا وهذا هو عيبهم

    2. الحمدلله جاء تكريمنا وأنصافنا في أكمل الأديان ومن أفضل الانبياء والرسل
      ..بل كنا اخر وصايا الحبيب عليه الصلاة والسلام ..
      فحين نتهم اوننتقص لمن هم دون المجنون بالعقل فهذا لا يقلل من قدرنا ولا مكانتنا ودورنا الاساسي والكبير والمهم بالحياه ؛ولو نظرت الى من يقلل من شأن المرأه ويتهم كمال عقلها واتزانه لوجدته يعاني اعتلات عقليه وفكريه ونفسيه .

      مانقول غير الله يعين المرأه ع هالجند ?

    اضف رد

    لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

    *